كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 3)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {§فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] يَقُولُ «بَقِيَ لَهُ مِنْ دِيَةِ أَخِيهِ شَيْءٌ أَوْ مِنْ أَرْشِ جِرَاحَتِهِ، فَلْيَتَّبِعْ بِمَعْرُوفٍ وَلْيُؤَدِ الْآخَرَ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ» وَالْوَاجِبُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقَوْلِ الَّذِي رُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ، وَالْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: 178] أَنَّهُ بِمَعْنَى مُقَاصَّةِ دِيَةِ النَّفْسِ الذَّكَرِ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ الْأُنْثَى، وَالْعَبْدُ مِنَ الْحُرِّ، وَالتَّرَاجُعِ بِفَضْلِ مَا بَيْنَ دِيَتَيْ أَنْفُسِهِمَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنَ الْوَاجِبِ لِأَخِيهِ عَلَيْهِ مِنْ قِصَاصِ دِيَةِ أَحَدِهِمَا بِدِيَةِ نَفْسِ الْآخَرِ إِلَى الرِّضَا بِدِيَةِ نَفْسِ الْمَقْتُولِ، فَاتِّبَاعٌ مِنَ الْوَلِيِّ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَدَاءٌ مِنَ الْقَاتِلِ إِلَيْهِ ذَلِكَ بِإِحْسَانٍ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ فِي قَوْلِهِ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] فَمَنْ صُفِحَ لَهُ مِنَ الْوَاجِبِ كَانَ لِأَخِيهِ عَلَيْهِ مِنَ الْقَوَدِ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَى دِيَةٍ -[110]- يَأْخُذُهَا مِنْهُ، فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ مِنَ الْعَافِي عَنِ الدَّمِ الرَّاضِي بِالدِّيَةِ مِنْ دَمِ وَلِيِّهِ، وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ مِنَ الْقَاتِلِ ذَلِكَ بِإِحْسَانٍ؛ لِمَا قَدْ بَيَّنَّا مِنَ الْعِلَلِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ مِنْ أَنِّ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: 178] إِنَّمَا هُوَ الْقِصَاصُ مِنَ النُّفُوسِ الْقَاتِلَةِ أَوِ الْجَارِحَةِ، وَالشَّاجَّةِ عَمْدًا، كَذَلِكَ الْعَفْوُ أَيْضًا عَنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] فَإِنَّهُ يَعْنِي: فَاتِّبَاعٌ عَلَى مَا أَوْجَبُهُ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْحَقِّ قِبَلَ قَاتِلِ وَلِيِّهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزْدَادَ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ فِي أَسْنَانِ الْفَرَائِضِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ يُكَلِّفُهُ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ لَهُ عَلَيْهِ
الصفحة 109