كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 3)
وَإِذَا لَقِيتَ فُلَانًا فَتَبْجِيلًا، وَتَعْظِيمًا غَيْرَ أَنَّهُ جَاءَ رَفْعًا وَهُوَ أَفْصَحُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ نَصْبِهِ، وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا كَانَ نَظِيرًا لَهُ مِمَّا يَكُونُ فَرْضًا عَامًا فِيمَنْ قَدْ فَعَلَ، وَفِيمَنْ لَمْ يَفْعَلْ إِذَا فَعَلَ، لَا نَدْبًا وَحَثًّا. وَرَفْعُهُ عَلَى مَعْنَى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَالْأَمْرُ فِيهِ اتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ، أَوْ: فَالْقَضَاءُ وَالْحُكْمُ فِيهِ اتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: رُفِعَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَعَلَيْهِ اتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ. وَهَذَا مَذْهَبِي، وَالْأَوَّلُ الَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ وَجْهُ الْكَلَامِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ نَظَائِرِ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ فَإِنْ رَفَعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَاهُ، وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] وَقَوْلُهُ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4] فَإِنَّ الصَّوَابَ فِيهِ النَّصْبَ، وَهُوَ وَجْهُ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْحَثِّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ عَلَى الْقَتْلِ عِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ كَمَا يُقَالُ: إِذَا لَقِيتُمُ الْعَدُوَّ فَتَكْبِيرًا وَتَهْلِيلًا، عَلَى وَجْهِ الْحَضِّ عَلَى التَّكْبِيرِ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِيجَابِ وَالْإِلْزَامِ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 178] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ: هَذَا الَّذِي حَكَمْتَ بِهِ وَسَنَنْتُهُ لَكُمْ مِنْ إِبَاحَتِي لَكُمْ أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ الْعَفْوَ عَنِ الْقِصَاصِ مِنْ قَاتِلِ قَتِيلِكُمْ عَلَى دِيَةٍ تَأْخُذُونَهَا فَتَمْلِكُونَهَا مُلْكَكُمْ سَائِرَ أَمْوَالِكُمُ الَّتِي كُنْتُ مَنَعْتُهَا مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ {تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 178] يَقُولُ: تَخْفِيفٌ مِنِّي لَكُمْ مِمَّا كُنْتُ ثَقَّلْتُهُ عَلَى -[112]- غَيْرِكُمْ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَرَحْمَةٌ مِنِّي لَكُمْ
الصفحة 111