كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 3)
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي رَجُلٍ قَتَلَ فَأُخِذَتْ مِنْهُ الدِّيَةُ، ثُمَّ إِنَّ وَلِيَّهُ قَتَلَ بِهِ الْقَاتِلَ، قَالَ الْحَسَنُ «§تُؤْخَذُ مِنْهُ الدِّيَةُ الَّتِي أَخَذَ وَلَا يُقْتَلُ بِهِ» وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِقَوْلِهِ: {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178] تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ أَخْذِهِ الدِّيَةَ، فَقَتَلَ قَاتِلَ وَلِيِّهِ، فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا وَهُوَ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِكُلِّ وَلِيِّ قَتِيلٍ قَتَلَ ظُلْمًا سُلْطَانًا عَلَى قَاتِلِ وَلِيِّهِ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفُ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33] فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ الْجَمِيعُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّ مَنَ قَتَلَ قَاتِلَ وَلِيِّهِ بَعْدَ عَفْوِهِ عَنْهُ وَأَخْذِهِ مِنْهُ دِيَةَ قَتِيلِهِ أَنَّهُ بِقَتْلِهِ إِيَّاهُ لَهُ ظَالِمٌ فِي قَتْلِهِ كَانَ بَيَّنَّا أَنْ لَا يُوَلِّيَ مَنْ قَتَلَهُ ظُلْمًا كَذَلِكَ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ فِي الْقِصَاصِ، وَالْعَفْوِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ أَيُّ ذَلِكَ شَاءَ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ ذَلِكَ عَذَابُهُ، لِأَنَّ مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّهُ فِي الدُّنْيَا كَانَ ذَلِكَ عُقُوبَتَهُ مِنْ ذَنْبِهِ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ مُتَّبَعًا فِي الْآخِرَةِ، عَلَى مَا قَدْ ثَبَتَ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. -[120]- وَأَمَّا مَا قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ أَنَّ حُكْمَ مَنْ قَتَلَ قَاتِلَ وَلِيِّهِ بَعْدَ عَفْوَهُ عَنْهُ وَأَخْذِهِ دِيَةَ وَلِيِّهِ الْمَقْتُولَ إِلَى الْإِمَامِ دُونَ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ، فَقَوْلٌ خِلَافٌ لَمَّا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ كِتَابِ اللَّهِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِوَلِيِّ كُلِّ مَقْتُولٍ ظُلْمًا السُّلْطَانَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخُصَّ مِنْ ذَلِكَ قَتِيلًا دُونَ قَتِيلٍ، فَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَتِيلَ وَلِيِّ مَنْ قَتَلَهُ أَوْ غَيْرَهُ. وَمَنْ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا سُئِلَ الْبُرْهَانَ عَلَيْهِ مِنْ أَصْلٍ أَوْ نَظِيرٍ وَعُكِسَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ فِيهِ، ثُمَّ لَنْ يَقُولَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ. ثُمَّ فِي إِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَى خِلَافِهِ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ مُكْتَفٍ فِي الِاسْتِشْهَادِ عَلَى فَسَادِهِ بِغَيْرِهِ
الصفحة 119