كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 3)
فَإِنْ قَالَ: فَإِنْ هُوَ فَرَّطَ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يُوصِ لَهُمْ أَيَكُونُ مُضَيَّعًا فَرْضًا يُحْرَجُ بِتَضْيِيعِهِ؟ قِيلَ: نَعَمْ. فَإِنْ قَالَ: وَمَا الدَّلَالَةُ عَلَى ذَلِكَ؟ قِيلَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] فَأَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ كَتَبَهُ عَلَيْنَا وَفَرَضَهُ، كَمَا قَالَ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْجَمِيعِ أَنَّ تَارِكَ الصِّيَامِ وَهُوَ عَلَيْهِ قَادِرٌ مُضَيِّعٍ بِتَرْكِهِ فَرْضًا لِلَّهِ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ هُوَ بِتَرْكِ الْوَصِيَّةِ لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ وَلَهُ مَا يُوصِي لَهُمْ فِيهِ، مُضَيِّعٌ فَرْضَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَإِنْ قَالَ: فَإِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا: {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْمِيرَاثِ؟ قِيلَ لَهُ: وَخَالَفَهُمْ جَمَاعَةٌ غَيْرَهُمْ فَقَالُوا: هِيَ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ: وَإِذَا كَانَ فِي نَسْخِ ذَلِكَ تَنَازُعٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يَكُنْ لَنَا الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا، إِذْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَحِيلٍ اجْتِمَاعُ حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ وَحُكْمِ آيَةِ الْمَوَارِيثِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ عَلَى صِحَّةٍ بِغَيْرِ مُدَافَعَةِ حُكْمِ إِحْدَاهُمَا حُكْمَ الْأُخْرَى وَكَانَ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ هُمَا الْمَعْنَيَانِ اللَّذَانِ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ حُكْمُهُمَا عَلَى صِحَّةٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لِنَفْيِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ. وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ
الصفحة 124