كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 3)
وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ، أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُهَا: فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصِ جَنَفًا، أَوْ إِثْمًا وَهُوَ أَنْ يَمِيلَ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ خَطَأً مِنْهُ أَوْ يَتَعَمَّدُ إِثْمًا فِي وَصِيَّتِهِ بِأَنْ يُوصِيَ لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوصِيَ لَهُمْ بِهِ مِنْ مَالِهِ، وَغَيْرِ مَا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ بِهِ مِمَّا جَاوَزَ الثُّلُثَ، أَوْ بِالثُّلُثِ كُلِّهِ وَفِي الْمَالِ قِلَّةٌ، وَفِي الْوَرَثَةِ كَثْرَةٌ، فَلَا بَأْسَ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ أَيْ يُصْلِحَ بَيْنَ الَّذِينَ يُوصَى لَهُمْ وَبَيْنَ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ، بِأَنْ يَأْمُرَ الْمَيِّتَ فِي ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيُعَرِّفَهُ مَا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَأْذِنَ لَهُ فِيهِ مِنَ الْوَصِيَّةِ فِي مَالِهِ، وَيَنْهَاهُ أَنْ يُجَاوِزَ فِي وَصِيَّتِهِ الْمَعْرُوفَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي كِتَابِهِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 180] وَذَلِكَ هُوَ الْإِصْلَاحُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 182] وَكَذَلِكَ لِمَنْ كَانَ فِي الْمَالِ فَضْلٌ وَكَثْرَةٌ، وَفِي الْوَرَثَةِ قِلَّةٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَقْصُرَ فِي وَصِيَّتِهِ لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ عَنْ ثُلُثِهِ، فَأَصْلَحَ مَنْ حَضَرَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَرَثَتِهِ وَبَيْنَ وَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ الَّذِينَ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ لَهُمْ بِأَنْ يَأْمُرَ الْمَرِيضَ أَنْ يَزِيدَ فِي وَصِيَّتِهِ لَهُمْ، وَيَبْلُغَ بِهَا مَا رَخَّصَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الثُّلُثِ، فَذَلِكَ أَيْضًا هُوَ مِنَ الْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا هَذَا الْقَوْلَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَالَ: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصِ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا} [البقرة: 182] يَعْنِي بِذَلِكَ: فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصِ أَنْ يَجْنِفَ أَوْ يَأْثَمَ. فَخَوْفُ الْجَنَفِ، وَالْإِثْمِ مِنَ الْمُوصِي إِنَّمَا هُوَ كَائِنٌ قَبْلَ وقُوعِ الْجَنَفِ، وَالْإِثْمِ، فَأَمَّا بَعْدَ وُجُودِهِ مِنْهُ فَلَا وَجْهَ لِلْخَوْفِ مِنْهُ بِأَنْ يَجْنِفَ، أَوْ يَأْثَمَ، بَلْ تِلْكَ حَالُ مَنْ قَدْ جَنِفَ أَوْ أَثِمَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ قِيلَ: فَمَنْ تَبَيَّنَ مِنْ مُوصِ جَنَفًا، أَوْ إِثْمًا، أَوْ أَيْقَنَ أَوْ عَلِمَ
الصفحة 147