كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 3)

اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ عَامَّةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ: (وَلَوْ تَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) بِالتَّاءِ {إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} [البقرة: 165] بِالْيَاءِ {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} [البقرة: 165] بِفَتْحِ «أَنَّ» وَ «أَنَّ» كِلْتَيْهِمَا، بِمَعْنَى: وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّدُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ حِينَ يَرَوْنَ عَذَابَ اللَّهِ وَيُعَايِنُونَهُ، أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا، وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ. ثُمَّ فِي نَصْبِ «أَنَّ» وَ «أَنَّ» فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تُفْتَحَ بِالْمَحْذُوفِ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ مَطْلُوبٌ فِيهِ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّدُ الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ عَذَابَ اللَّهِ لَأَقَرُّوا. وَمَعْنَى تَرَى: تُبْصِرُ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا، وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ. وَيَكُونُ الْجَوَّابُ حِينَئِذٍ إِذْ فُتِحَتْ «أَنَّ» عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَتْرُوكًا قَدِ اكْتُفِيَ بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. وَيَكُونُ الْمَعْنَى مَا وَصَفْتُ. فَهَذَا أَحَدُ وَجْهَيْ فَتْحِ أَنَّ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: {وَلَوْ تَرَى} [الأنعام: 27] بِالتَّاءِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ فِي الْفَتْحِ، أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّدُ إِذْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابَ اللَّهِ، لِأَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا، وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ، لَعَلِمْتَ مَبْلَغَ عَذَابِ اللَّهِ. ثُمَّ تُحْذَفُ اللَّامُ فَتُفْتَحُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ مِنْ سَلَفِ الْقُرَّاءِ: (وَلَوْ تَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ إِنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) بِمَعْنَى: وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّدُ الَّذِينَ ظَلَمُوا حِينَ يُعَايِنُوا عَذَابَ اللَّهِ لَعَلِمْتَ الْحَالَ الَّتِي يَصِيرُونَ إِلَيْهَا. ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ خَبَرًا مُبْتَدَأً عَنْ قُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: إِنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا فِي الدُّنْيَا

الصفحة 19