كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 3)

: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ} [الصافات: 25] وَأَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ لَا يَنْفَعُهُ نَسِيبُهُ وَلَا ذُو رَحِمَهُ، وَإِنْ كَانَ نَسِيبُهُ لِلَّهِ وَلِيًّا، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي ذَلِكَ: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: 114] وَأَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّ أَعْمَالَهُمْ تَصِيرُ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ. وَكُلُّ هَذِهِ الْمَعَانِي أَسْبَابٌ يُتَسَبَّبُ فِي الدُّنْيَا بِهَا إِلَى مَطَالِبَ، فَقَطَعَ اللَّهُ مَنَافِعَهَا فِي الْآخِرَةِ عَنِ الْكَافِرِينَ بِهِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِخِلَافِ طَاعَتِهِ وَرِضَاهُ فَهِيَ مُنْقَطِعَةٌ بِأَهْلِهَا؛ فَلَا خِلَالُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا يَنْفَعُهُمْ عِنْدَ وُرُودِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ وَلَا عِبَادَتُهُمْ أَنْدَادَهُمْ وَلَا طَاعَتُهُمْ شَيَاطِينَهُمْ، وَلَا دَافَعَتْ عَنْهُمْ أَرْحَامٌ فَنَصَرَتْهُمْ مِنَ انْتِقَامِ اللَّهِ مِنْهُمْ، وَلَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ أَعْمَالُهُمْ بَلْ صَارَتْ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ، فَكُلُّ أَسْبَابِ الْكُفَّارِ مُنْقَطِعَةٌ، فَلَا مَعْنَى أَبْلَغَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة: 166] مِنْ صِفَةِ اللَّهِ، وَذَلِكَ مَا بَيَّنَّا مِنْ جَمِيعِ أَسْبَابِهِمْ دُونَ بَعْضِهَا عَلَى مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ. وَمَنِ ادَّعَى أَنَّ الْمَعْنَىَ بِذَلِكَ خَاصٌّ مِنَ الْأَسْبَابِ سُئِلَ عَنِ الْبَيَانِ عَلَى دَعْوَاهُ مِنْ أَصْلٍ لَا مُنَازِعَ فِيهِ، وَعُورِضَ بِقَوْلِ مُخَالَفِهِ فِيهِ، فَلَنْ يَقُولَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} -[31]- يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} [البقرة: 167] وَقَالَ أَتْبَاعُ الرِّجَالِ الَّذِينَ كَانُوا اتَّخَذُوهُمْ أَنْدَادًا مِنْ دُونِ اللَّهِ يُطِيعُونَهُمْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَيَعْصَوْنَ رَبَّهُمْ فِي طَاعَتِهِمْ، إِذْ يَرَوْنَ عَذَابَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ: {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} [البقرة: 167] يَعْنِي بِالْكَرَّةِ: الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: كَرَرْتُ عَلَى الْقَوْمِ أَكُرُّ كَرًّا، وَالْكَرَّةُ: الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ، وَذَلِكَ إِذَا حَمَلَ عَلَيْهِمْ رَاجِعًا عَلَيْهِمْ بَعْدَ الِانْصِرَافِ عَنْهُمْ كَمَا قَالَ الْأَخْطَلُ:
[البحر الكامل]
وَلَقَدْ عَطَفْنَ عَلَى فَزَارَةَ عَطْفَةً ... كَرَّ الْمَنِيحِ، وَجُلْنَ ثَمَّ مَجَالَا

الصفحة 30