كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 3)

وَقِيلَ إِنَّ الْحَسْرَةَ أَشَدُّ النَّدَامَةِ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَكَيْفَ يَرَوْنَ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا يَتَنَدَّمُ الْمُتَنَدِّمُ عَلَى تَرْكِ الْخَيْرَاتِ وَفَوْتِهَا إِيَّاهُ؟ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْكُفَّارَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا يَتَنَدَّمُونَ عَلَى تَرْكِهِمُ الِازْدِيَادِ مِنْهُ، فَيُرِيهِمُ اللَّهُ قَلِيلَهُ، بَلْ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ كُلَّهَا مَعَاصِيَ لِلَّهِ، وَلَا حَسْرَةَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْحَسْرَةُ فِيمَا لَمْ يَعْمَلُوا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ؟ قِيلَ: إِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ، فَنَذْكُرُ فِي ذَلِكَ مَا قَالُوا، ثُمَّ نُخْبِرُ بِالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: كَذَلِكَ يُرِيَهُمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمُ الَّتِي فَرَضَهَا عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا فَضَيَّعُوهَا وَلَمْ يَعْمَلُوا بِهَا حَتَّى اسْتَوْجَبَ مَا كَانَ اللَّهُ أَعَدَّ لَهُمْ لَوْ كَانُوا عَمِلُوا بِهَا فِي حَيَاتِهِمْ مِنَ الْمَسَاكِنِ وَالنِّعَمِ غَيْرِهِمْ بِطَاعَتِهِ رَبَّهُ فَصَارَ مَا فَاتَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ الَّذِي كَانَ اللَّهُ أَعَدَّهُ لَهُمْ عِنْدَهُ لَوْ كَانُوا أَطَاعُوهُ فِي الدُّنْيَا إِذْ عَايَنُوهُ عِنْدَ دُخُولِ النَّارِ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ أَسًى وَنَدَامَةً وَحَسْرَةً عَلَيْهِمْ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، {§-[34]- كَذَلِكَ يُرِيَهُمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} [البقرة: 167] زَعَمَ أَنَّهُ يَرْفَعُ لَهُمُ الْجَنَّةَ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهَا وَإِلَى بُيُوتِهِمْ فِيهَا لَوْ أَنَّهُمْ أَطَاعُوا اللَّهَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: تِلْكَ مَسَاكِنُكُمْ لَوْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ ثُمَّ تُقْسَمُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينِ، فَيَرِثُونَهُمْ، فَذَلِكَ حِينَ يَنْدَمُونَ "

الصفحة 33