كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 3)

وَالسَّوَائِبِ، وَالْوَصَائِلِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ أُحَرِّمْهُ عَلَيْكُمْ، دُونَ مَا حَرَّمْتُهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمَطَاعِمِ، وَالْمَآكِلِ فَنَجَّسْتُهُ مِنْ مَيْتَةٍ، وَدَمٍ، وَلَحْمِ خِنْزِيرٍ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِي، وَدَعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ الَّذِي يُوبِقُكُمْ فَيُهْلِكُكُمْ وَيُورِدُكُمْ مَوَارِدَ الْعَطَبِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ فَلَا تَتَّبِعُوهَا وَلَا تَعْمَلُوا بِهَا، إِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ {إِنَّهُ} [البقرة: 37] إِنَّ الشَّيْطَانَ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّهُ} [البقرة: 37] عَائِدَةٌ عَلَى الشَّيْطَانِ {لَكُمْ} [البقرة: 22] أَيُّهَا النَّاسُ {عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 168] يَعْنِي أَنَّهُ قَدْ أَبَانَ لَكُمْ عَدَاوَتَهُ بِإِبَائِهِ عَنِ السُّجُودِ لِأَبْيكُمْ وَغُرُورِهِ إِيَّاهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَاسْتَزَلَّهُ بِالْخَطِيئَةِ، وَأَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَا تَنْتَصِحُوهُ أَيُّهَا النَّاسُ مَعَ إِبَانَتِهِ لَكُمُ الْعَدَاوَةَ، وَدَعُوا مَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ، وَالْتَزِمُوا طَاعَتِي فِيمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ وَنَهَيْتُكُمْ عَنْهُ مِمَّا أَحْلَلْتُهُ لَكُمْ وَحَرَّمْتُهُ عَلَيْكُمْ، دُونَ مَا حَرَّمْتُمُوهُ أَنْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَحَلَّلْتُمُوهُ طَاعَةً مِنْكُمْ لِلشَّيْطَانِ وَاتِّبَاعًا لَأَمْرِهِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ {حَلَالًا} [البقرة: 168] طَلْقًا، وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: قَدْ حَلَّ لَكَ هَذَا الشَّيْءُ، أَيْ صَارَ لَكَ مُطْلَقًا، فَهُوَ يُحِلُّ لَكَ حَلَالًا وَحِلًّا، مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ: هُوَ لَكَ حِلٌّ، أَيْ طَلْقٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {طَيِّبًا} [البقرة: 168] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ طَاهِرًا غَيْرَ نَجِسٍ وَلَا مُحَرَّمٍ. وَأَمَّا الْخُطُواتُ فَإِنَّهُ جَمْعُ خُطْوَةٍ، وَالْخُطْوَةُ: بُعْدُ مَا بَيْنَ قَدَمَيِ الْمَاشِي، وَالْخَطْوَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ: الْفَعْلَةُ الْوَاحِدَةُ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: خَطَوْتُ خَطْوَةً وَاحِدَةً؛ وَقَدْ تُجْمَعُ الْخُطْوَةُ خُطًا، وَالْخَطْوَةُ تُجْمَعُ خَطَوَاتٍ وَخِطَاءٌ. وَالْمَعْنَى فِي النَّهْيِ عَنِ اتِّبَاعِ خُطُواتِهِ، النَّهْي عَنْ طَرِيقِهِ وَأَثَرِهِ فِيمَا دَعَا إِلَيْهِ مِمَّا هُوَ خِلَافُ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ.

الصفحة 37