كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 3)

§وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: {اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [البقرة: 170] فَإِنَّهُ: اعْمَلُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَلَى رَسُولِهِ، فَأَحَلُّوا حَلَالَهُ وَحَرَّمُوا حَرَامَهُ، وَاجْعَلُوهُ لَكُمْ إِمَامًا تَأْتَمُّونَ بِهِ، وَقَائِدًا تَتَّبِعُونَ أَحْكَامَهُ
§وَقَوْلُهُ: {أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [البقرة: 170] يَعْنِي وَجَدْنَا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر المتقارب]
فَأَلْفَيْتُهُ غَيْرَ مُسْتَعْتِبٍ ... وَلَا ذَاكِرِ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلَا
يَعْنِي وَجَدْتُهُ
وَكَمَا حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {§قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [البقرة: 170] أَيْ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا " حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ فَمَعْنَى الْآيَةِ: وَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ كُلُوا مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَدَعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَطَرِيقَهُ وَاعْمَلُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابِهِ، اسْتَكْبَرُوا عَنِ الْإِذْعَانِ لِلْحَقِّ، وَقَالُوا: بَلْ نَأْتَمُّ بِآبَائِنَا فَنَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَاهُمْ عَلَيْهِ مِنْ تَحْلِيلِ مَا كَانُوا يُحِلُّونَ وَتَحْرِيمِ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ} [البقرة: 170] يَعْنِي آبَاءَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ مَضَوْا عَلَى كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا -[44]- مِنْ دَيْنِ اللَّهِ وَفَرَائِضِهِ وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، فَيَتَّبِعُونَ عَلَى مَا سَلَكُوا مِنَ الطَّرِيقِ وَيُؤْتَمُّ بِهِمْ فِي أَفْعَالِهِمْ وَلَا يَهْتَدُونَ لَرُشْدٍ فَيَهْتَدِي بِهِمْ غَيْرُهُمْ، وَيَقْتَدِي بِهِمْ مَنْ طَلَبَ الدِّينَ، وَأَرَادَ الْحَقَّ وَالصَّوَابَ؟ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ: فَكَيْفَ أَيُّهَا النَّاسُ تَتَّبِعُونَ مَا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ فَتَتْرُكُونَ مَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ رَبُّكُمْ وَآبَاؤُكُمْ لَا يَعْقِلُونَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ شَيْئًا وَلَا هُمْ مُصِيبُونَ حَقًّا وَلَا مُدْرِكُونَ رُشْدًا؟ وَإِنَّمَا يَتَّبِعُ الْمُتَّبِعُ ذَا الْمَعْرِفَةَ بِالشَّيْءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَهُ فِي نَفْسِهِ، فَأَمَّا الْجَاهِلُ فَلَا يَتَّبِعُهُ فِيمَا هُوَ بِهِ جَاهِلٌ إِلَّا مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا تَمْيِيزَ

الصفحة 43