كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 3)
فَجَمَعَ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَرَأَهَا بَعْضُهُمْ بِالتَّشْدِيدِ وَحَمَلُوهَا عَلَى الْأَصْلِ، وَقَالُوا: إِنَّمَا هُوَ «مَيْوِتٌ» ، فَيْعِلٌ مِنَ الْمَوْتِ، وَلَكِنَّ الْيَاءَ السَّاكِنَةَ وَالْوَاوَ الْمُتَحَرِّكَةَ لَمَّا اجْتَمَعَتَا وَالْيَاءُ مَعَ سُكُونِهَا مُتَقَدِّمَةٌ قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً وَشُدِّدَتْ فَصَارَتَا يَاءً مُشَدَّدَةً، كَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي سَيِّدٍ وَجَيِّدٍ. قَالُوا: وَمَنْ خَفَّفَهَا فَإِنَّمَا طَلَبَ الْخِفَّةَ. وَالْقِرَاءَةُ بِهَا عَلَى أَصْلِهَا الَّذِي هُوَ أَصْلُهَا أَوْلَى. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ التَّخْفِيفَ وَالتَّشْدِيدَ فِي يَاءِ الْمَيْتَةِ لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي الْقِرَاءَةِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَبِأَيِّهِمَا قَرَأَ ذَلِكَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ؛ لِأَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِي مَعْنَيَيْهِمَا
§وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة: 173] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: وَمَا ذُبِحَ لِلْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ يُسَمَّى عَلَيْهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ أَوْ قُصِدَ بِهِ غَيْرُهُ مِنَ الْأَصْنَامِ
§وَإِنَّمَا قِيلَ: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ} [البقرة: 173] لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَرَادُوا ذَبْحَ مَا قَرَّبُوهُ لِآلِهَتِهِمْ سَمَّوْا اسْمَ آلِهَتِهِمُ الَّتِي قَرَّبُوا ذَلِكَ لَهَا وَجَهَرُوا بِذَلِكَ أَصْوَاتِهِمْ، فَجَرَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قِيلَ لِكُلِّ ذَابِحٍ يُسَمِّي أَوْ لَمْ يُسَمِّ جَهَرَ بِالتَّسْمِيَةِ أَوْ لَمْ يَجْهَرْ: «مُهِلٌّ» فَرَفْعُهُمْ أَصْوَاتَهُمْ بِذَلِكَ هُوَ الْإِهْلَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة: 173] وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلْمُلَبِّي فِي حَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مُهَلٌّ لِرَفْعِهِ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ؛ وَمِنْهُ اسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ: إِذَا صَاحَ عِنْدَ سُقُوطِهِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ، وَاسْتِهَلَالُ الْمَطَرِ: وَهُوَ صَوْتُ وُقُوعِهِ عَلَى الْأَرْضِ، كَمَا قَالَ عَمْرُو بْنُ
الصفحة 55