كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 4)

حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: " {§وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224] قَالَ: هُوَ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَصْنَعَ خَيْرًا، وَلَا يَصِلَ رَحِمَهُ، وَلَا يُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ، نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ " وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ لَا تَجْعَلُوا الْحَلِفَ بِاللَّهِ حُجَّةً لَكُمْ فِي تَرْكِ فِعْلِ الْخَيْرِ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ النَّاسِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْعُرْضَةَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْقُوَّةُ وَالشِّدَّةُ، يُقَالُ مِنْهُ: هَذَا الْأَمْرُ عُرْضَةً لَهُ، يَعْنِي بِذَلِكَ: قُوَّةٌ لَكَ عَلَى أَسْبَابِكَ، وَيُقَالُ: فُلَانَةُ عُرْضَةٌ لِلنِّكَاحِ: أَيْ قُوَّةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ فِي صِفَةِ نُوقٍ:
[البحر البسيط]
مَنْ كُلِّ نَضَّاخَةِ الذِّفْرَى إِذَا عَرِقَتْ ... عُرْضَتُهَا طَامِسُ الْأَعْلَامِ مَجْهُولُ
يَعْنِي بِ «عُرْضَتُهَا» : قُوَّتَهَا وَشِدَّتَهَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224] إِذًا: لَا تَجْعَلُوا اللَّهَ قُوَّةً لِأَيْمَانِكُمْ فِي أَنْ لَا تَبَرُّوا، وَلَا تَتَّقُوا، وَلَا تُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ إِذَا حَلَفَ أَحَدُكُمْ فَرَأَى الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِ الْبِرِّ وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ

الصفحة 11