كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 4)
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ} [البقرة: 266] أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ يَعْنِي بُسْتَانًا مِنْ نَخِيلِ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَعْنِي مِنْ تَحْتِ الْجَنَّةِ وَلَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: {لَهُ} [البقرة: 102] عَائِدَةٌ عَلَى أَحَدٍ، وَالْهَاءُ وَالْأَلِفُ فِي: {فِيهَا} [البقرة: 25] عَلَى الْجَنَّةِ، {وَأَصَابَهُ} [البقرة: 266] يَعْنِي وَأَصَابَ أَحَدَكُمُ الْكِبَرُ، {وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ} [البقرة: 266] وَإِنَّمَا جَعَلَ جَلَّ ثناؤُهُ الْبُسْتَانَ مِنَ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ، الَّذِي قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ مَثَلًا لِنَفَقَةِ الْمُنَافِقِ الَّتِي يُنْفِقُهَا رِيَاءَ النَّاسِ، لَا ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ، فَالنَّاسُ بِمَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنْ صَدَقَتِهِ، وَإِعْطَائِهِ لِمَا يُعْطَى وَعَمَلِهِ الظَّاهِرِ، يُثْنُونَ عَلَيْهِ وَيَحْمَدُونَهُ بِعَمَلِهِ ذَلِكَ أَيَّامَ حَيَاتِهِ فِي حُسْنِهِ كَحُسْنِ الْبُسْتَانِ وَهِيَ الْجَنَّةُ الَّتِي ضَرَبَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِعَمَلِهِ مَثَلًا مِنْ نَخِيلِ وَأَعْنَابٍ، لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ ذَلِكَ الَّذِي يَعْمَلُهُ فِي الظَّاهِرِ فِي الدُّنْيَا لَهُ فِيهِ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ مِنْ عَاجِلِ الدُّنْيَا، يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَدَمِهِ وَمَالِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، وَيَكْتَسِبُ بِهِ الْمَحْمَدَةَ وَحُسْنَ الثَّنَاءِ عِنْدَ النَّاسِ، وَيَأْخُذُ بِهِ سَهْمَهُ مِنَ الْمَغْنَمِ مَعَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ يَكْثُرُ إِحْصَاؤُهَا، فَلَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا، كَمَا وَصَفَ جَلَّ ثناؤُهُ الْجَنَّةَ الَّتِي وَصَفَ مَثَلًا بِعَمَلِهِ، بِأَنَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ، ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: {وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ} [البقرة: 266] يَعْنِي أَنَّ صَاحِبَ الْجَنَّةِ أَصَابَهُ
الصفحة 680