كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 5)

§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 273] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: الَّذِينَ جَعَلَهُمْ جِهَادُهُمْ عَدُوَّهُمْ يَحْصُرُونَ أَنْفُسَهُمْ فَيَحْبِسُونَهَا عَنِ التَّصَرُّفِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَصَرُّفًا، وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْإِحْصَارِ تَصْيِيرُ الرَّجُلِ الْمُحْصَرِ بِمَرَضِهِ أَوْ فَاقَتِهِ أَوْ جِهَادِهِ عَدُوَّهُ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ عِلَلِهِ إِلَى حَالَةٍ يَحْبِسُ نَفْسَهُ فِيهَا عَنِ التَّصَرُّفِ فِي أَسْبَابِهِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ فِيمَا مَضَى قَبْلُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {§الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 273] قَالَ: «حَصَرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِلْغَزْوِ»
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {§لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 273] قَالَ: " كَانَتِ الْأَرْضُ كُلُّهَا كُفْرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَخْرُجَ يَبْتَغِي مِنْ فَضْلِ اللَّهِ إِذَا خَرَجَ خَرَجَ فِي كُفْرٍ، وَقِيلَ: كَانَتِ الْأَرْضُ كُلُّهَا حَرْبًا عَلَى أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ، وَكَانُوا لَا يَتَوَجَّهُونَ جِهَةً إِلَّا لَهُمْ فِيهَا عَدُوٌّ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي -[25]- سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 273] الْآيَةَ؛ كَانُوا هَاهُنَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ " وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: الَّذِينَ أَحْصَرَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَمَنَعُوهُمُ التَّصَرُّفَ

الصفحة 24