كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 5)

يُصِيبُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قُبْحِ حَالِهِمْ وَوَحْشَةِ قِيَامِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ وَسُوءِ مَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَكْذِبُونَ وَيَفْتَرُونَ وَيَقُولُونَ إِنَّمَا الْبَيْعُ الَّذِي أَحَلَّهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ مِثْلُ الرِّبَا، وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا يَأْكُلُونَ مِنَ الرِّبَا مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ إِذَا حَلَّ مَالُ أَحَدُهِمْ عَلَى غَرِيمِهِ يَقُولُ الْغَرِيمُ لِغَرِيمِ الْحَقِّ: زِدْنِي فِي الْأَجَلِ وَأَزِيدُكَ فِي مَالِكَ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُمَا إِذَا فَعَلَا ذَلِكَ: هَذَا رِبًا لَا يَحِلُّ، فَإِذَا قِيلَ لَهُمَا ذَلِكَ، قَالَا: سَوَاءٌ عَلَيْنَا زِدْنَا فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ أَوْ عِنْدَ مَحَلِّ الْمَالِ فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ فِي قِيلِهِمْ، فَقَالَ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْأَرْبَاحَ فِي التِّجَارَةِ وَالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، وَحَرَّمَ الرِّبَا يَعْنِي الزِّيَادَةَ الَّتِي يُزَادُ رَبُّ الْمَالِ بِسَبَبِ زِيَادَتِهِ غَرِيمَهُ فِي الْأَجَلِ، وَتَأْخِيرِهِ دَيْنَهُ عَلَيْهِ، يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَيْسَتِ الزِّيَادَتَانِ اللَّتَانِ إِحْدَاهُمَا مِنْ وَجْهِ الْبَيْعِ، وَالْأُخْرَى مِنْ وَجْهِ تَأْخِيرِ الْمَالِ وَالزِّيَادَةُ فِي الْأَجَلِ سَوَاءً، وَذَلِكَ أَنِّي حَرَّمْتُ إِحْدَى الزِّيَادَتَيْنِ، وَهِيَ الَّتِي مِنْ وَجْهٍ تَأْخِيرُ الْمَالِ وَالزِّيَادَةُ فِي الْأَجَلِ؛ وَأَحْلَلْتُ الْأُخْرَى مِنْهُمَا، وَهِيَ الَّتِي مِنْ وَجْهٍ الزِّيَادَةُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ الْبَائِعُ سِلْعَتَهُ الَّتِي يَبِيعُهَا فَيَسْتَفْضِلُ فَضْلَهَا، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَتِ الزِّيَادَةُ مِنْ وَجْهِ الْبَيْعِ نَظِيرَ الزِّيَادَةِ مِنْ وَجْهِ الرِّبَا؛ لِأَنِّي أَحْلَلْتُ الْبَيْعَ، وَحَرَّمْتُ الرِّبَا،

الصفحة 43