كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 5)

كَانَ الْغَرِيمُ ذَا عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ، وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي الْعَرَبِيَّةِ جَائِزًا فَغَيْرُ جَائِزَةٍ الْقِرَاءَةُ بِهِ عِنْدَنَا لِخِلَافِهِ خُطُوطَ مَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] فَإِنَّهُ يَعْنِي: فَعَلَيْكُمْ أَنْ تُنْظِرُوهُ إِلَى مَيْسَرَةٍ، كَمَا قَالَ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} [البقرة: 196] وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ رَفْعِ مَا كَانَ مِنْ نَظَائِرِهَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ، فَأَغْنَى عَنْ تَكْرِيرِهِ، وَالْمَيْسُرَةُ: الْمَفْعَلَةُ مِنَ الْيُسْرِ، مِثْلَ الْمَرْحَمَةِ وَالْمَشْأَمَةِ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَإِنْ كَانَ مِنْ غُرَمَائِكُمْ ذُو عُسْرَةٍ، فَعَلَيْكُمْ أَنْ تُنْظِرُوهُ حَتَّى يُوسِرَ بِمَا لَيْسَ لَكُمْ، فَيَصِيرُ مِنْ أَهْلِ الْيُسْرِ بِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {§وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي الرِّبَا»
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثنا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّ رَجُلًا، خَاصَمَ رَجُلًا إِلَى شُرَيْحٍ قَالَ: فَقَضَى عَلَيْهِ، وَأَمَرَ بَحَبْسِهِ، قَالَ: -[58]- فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَ شُرَيْحٍ: إِنَّهُ مُعْسِرٌ، وَاللَّهُ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {§وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] قَالَ: فَقَالَ شُرَيْحٌ: " إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الرِّبَا، وَإِنَّ اللَّهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] وَلَا يَأْمُرُنَا اللَّهُ بِشَيْءٍ ثُمَّ يُعَذِّبُنَا عَلَيْهِ "

الصفحة 57