كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 5)

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّهُ لَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ مَعَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بَيْنَ قَوْمِنَا حَرْبًا، وَإِنَّا نَخَافُ إِنْ جِئْتَ عَلَى حَالِكَ هَذِهِ أَنْ لَا يَتَهَيَّأَ الَّذِي تُرِيدُ، فَوَعَدُوهُ الْعَامَ الْمُقْبِلَ، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَذْهَبُ، فَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ تِلْكَ الْحَرْبَ، قَالَ: فَذَهَبُوا فَفَعَلُوا، فَأَصْلَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تِلْكَ الْحَرْبَ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ؛ وَهُوَ يَوْمُ بُعَاثٍ فَلَقُوهُ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ سَبْعُونَ رَجُلًا قَدْ آمَنُوا، فَأَخَذَ عَلَيْهِمُ النُّقَبَاءَ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: {§وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} [آل عمران: 103] "
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: أَمَّا: {§إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً} [آل عمران: 103] «فَفِي حَرْبٍ» {فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} [آل عمران: 103] «بِالْإِسْلَامِ»
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، بِنَحْوِهِ، وَزَادَ فِيهِ: فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ عَائِشَةَ مَا كَانَ، فَتَثَاوَرَ الْحَيَّانِ، -[656]- فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَوْعِدُكُمُ الْحَرَّةُ فَخَرَجُوا إِلَيْهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {§وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103] الْآيَةَ، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَزَلْ يَتْلُوهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى اعْتَنَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَحَتَّى إِنَّ لَهُمْ لَخَنِينًا، يَعْنِي الْبُكَاءَ وَسُمَيْرٌ الَّذِي زَعَمَ السُّدِّيُّ أَنَّ قَوْلَهُ {إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً} [آل عمران: 103] عَنَى بِهِ حَرْبَهُ، هُوَ سُمَيْرُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكُ بْنُ الْعَجْلَانِ فِي قَوْلِهِ:
[البحر المنسرح]

إِنَّ سُمَيْرًا أَرَى عَشِيرَتَهُ ... قَدْ حَدِبُوا دُونَهُ وَقَدْ أَنِفُوا
إِنْ يَكُنِ الظَّنُّ صَادِقِي بِبَنِي النَّ ... جَّارِ لَمْ يَطْعَمُوا الَّذِي عُلِفُوا
وَقَدْ ذَكَرَ عُلَمَاءُ الْأَنْصَارِ أَنَّ مَبْدَأَ الْعَدَاوَةِ الَّتِي هَيَّجَتِ الْحُرُوبَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ قَبِيلَتَيْهَا الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَأَوَّلُهَا كَانَ بِسَبَبِ قَتْلِ مَوْلًى لِمَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ الْخَزْرَجِيِّ، يُقَالُ لَهُ: الْحُرُّ بْنُ سُمَيْرٍ، مِنْ مُزَيْنَةَ، وَكَانَ حَلِيفًا لِمَالِكِ بْنِ -[657]- الْعَجْلَانِ، ثُمَّ اتَّصَلَتْ تِلْكَ الْعَدَاوَةُ بَيْنَهُمْ إِلَى أَنْ أَطْفَأَهَا اللَّهُ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِ السُّدِّيِّ: حَرْبُ بْنِ سُمَيْرٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103] فَإِنَّهُ يَعْنِي: فَأَصْبَحْتُمْ بِتَأْلِيفِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَكُمْ بِالْإِسْلَامِ وَكَلِمَةِ الْحَقِّ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى نُصْرَةِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَالتَّآزُرِ عَلَى مَنْ خَالَفَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ، إِخْوَانًا مُتَصَادِقِينَ لَا ضَغَائِنَ بَيْنَكُمْ، وَلَا تَحَاسُدَ

الصفحة 655