كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 5)

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ تَكْرِيرِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ اسْمَهُ مَعَ قَوْلِهِ: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [البقرة: 210] ظَاهِرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ اسْمُهُ ظَاهِرًا مَعَ قَوْلِهِ: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: ذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ الْعَرَبِ: أَمَّا زَيْدٌ فَذَهَبَ زَيْدٌ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الخفيف]
لَا أَرَى الْمَوْتَ يَسْبِقُ الْمَوْتَ شَيْءٌ ... نَغَّصَ الْمَوْتُ ذَا الْغِنَى وَالْفَقِيرَا
فَأَظْهَرَ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ، وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْكُوفَةِ: لَيْسَ ذَلِكَ نَظِيرَ هَذَا الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْمَوْتِ الثَّانِي فِي الْبَيْتِ مَوْضِعُ كِنَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} خَبَرُ لَيْسَ مِنْ قَوْلِهِ: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [البقرة: 210] فِي شَيْءٍ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْقِصَّتَيْنِ مُفَارِقٌ مَعْنَاهَا مَعْنَى الْأُخْرَى مُكْتَفِيَةٌ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهَا غَيْرُ مُحْتَاجَةٍ إِلَى الْأُخْرَى، وَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: «لَا أَرَى» الْمَوْتُ مُحْتَاجٌ إِلَى تَمَامِ الْخَبَرِ عَنْهُ. وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي عِنْدَنَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُؤْخَذُ مَعَانِيهِ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْبَيَانِ إِلَى الشَّوَاذِّ مِنَ الْكَلَامِ وَالْمَعَانِي وَلَهُ فِي الْفَصِيحِ مِنَ الْمَنْطِقِ وَالظَّاهِرِ مِنَ الْمَعَانِي الْمَفْهُومِ وَجْهٌ صَحِيحٌ مَوْجُودٌ.

الصفحة 670