كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 5)

الِانْقِطَاعِ عَنْهُ، وَمَعْنَاهُ: وَلَكِنْ يُثْقَفُونَ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ، كَمَا قِيلَ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} فَالْخَطَأُ وَإِنْ كَانَ مَنْصُوبًا بِمَا عَمِلَ فِيمَا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ، فَلَيْسَ قَوْلُهُ بِاسْتِثْنَاءٍ مُتَّصِلٍ بِالْأَوَّلِ بِمَعْنَى إِلَّا خَطَأً، فَإِنَّ لَهُ قَتْلَهُ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ مَعْنَاهُ: وَلَكِنْ قَدْ يَقْتُلُهُ خَطَأً، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَيْنَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ} وَإِنْ كَانَ الَّذِي جَلَبَ الْبَاءَ الَّتِي بَعْدَ إِلَّا الْفِعْلُ الَّذِي يَقْتَضِيهَا قَبْلَ إِلَّا، فَلَيْسَ الِاسْتِثْنَاءُ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ بِالَّذِي قَبْلَهُ بِمَعْنَى أَنَّ الْقَوْمَ إِذَا لُقُوا، فَالذِّلَّةُ زَائِلَةٌ عَنْهُمْ، بَلِ الذِّلَّةُ ثَابِتَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَكِنْ مَعْنَاهُ مَا بَيَّنَّا آنِفًا
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} وَتَحَمَّلُوا غَضَبَ اللَّهِ، فَانْصَرَفُوا بِهِ مُسْتَحِقِّيهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَصْلَ ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ، وَمَعْنَى الْمَسْكَنَةِ، وَأَنَّهَا ذُلُّ الْفَاقَةِ وَالْفَقْرِ وَخُشُوعُهُمَا، وَمَعْنَى الْغَضَبِ مِنَ اللَّهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَوْلُهُ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [البقرة: 61] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ: أَيْ بَوْؤُهُمُ الَّذِي بَاءُوا بِهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، وَضَرْبِ الذِّلَّةِ عَلَيْهِمْ بَدَلًا مِمَّا كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ، يَقُولُ: مِمَّا كَانُوا يَجْحَدُونَ أَعْلَامَ اللَّهِ وَأَدِلَّتَهُ عَلَى صِدْقِ أَنْبِيَائِهِ، وَمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَرَائِضِهِ {وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ

الصفحة 687