كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 5)
فَقَوْلُهُ: {أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} [آل عمران: 113] مَرْفُوعَةٌ بِقَوْلِهِ: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [البقرة: 105] وَقَدْ تَوَهَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْمُقَدَّمِينَ مِنْهُمْ فِي صِنَاعَتِهِمْ أَنَّ مَا بَعْدَ سَوَاءٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ قَوْلِهِ: {أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} [آل عمران: 113] تَرْجَمَةٌ عَنْ سَوَاءٍ، وَتَفْسِيرٌ عَنْهُ بِمَعْنَى: لَا يَسْتَوِي مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَأُخْرَى كَافِرَةٌ، وَزَعَمُوا أَنَّ ذِكْرَ الْفِرْقَةِ الْأُخْرَى تُرِكَ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ إِحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ، وَهِيَ الْأُمَّةُ الْقَائِمَةُ، وَمَثَّلُوهُ بِقَوْلِ أَبِي ذُؤَيْبٍ:
[البحر الطويل]
عَصَيْتُ إِلَيْهَا الْقَلْبَ إِنِّي لِأَمْرِهَا ... سَمِيعٌ فَمَا أَدْرِي أَرُشْدٌ طِلَابُهَا
وَلَمْ يَقُلْ: «أَمْ غَيْرُ رُشْدٍ» اكْتِفَاءً بِقَوْلِهِ: «أَرُشْدٌ» مِنْ ذِكْرِ «أَمْ غَيْرُ رُشْدٍ» وَبِقَوْلِ الْآخَرِ:
[البحر الطويل]
أَزَالُ فَلَا أَدْرِي أَهَمٌّ هَمَمْتَهُ ... وَذُو الْهَمِّ قِدْمًا خَاشِعٌ مُتَضَائِلُ
وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ خَطَأٌ قَوْلُ الْقَائِلِ الْمُرِيدِ أَنْ يَقُولَ: سَوَاءٌ أَقُمْتُ أَمْ قَعَدْتُ، سَوَاءٌ أَقُمْتُ حَتَّى يَقُولَ أَمْ قَعَدْتُ، وَإِنَّمَا يُجِيزُونَ حَذْفَ الثَّانِي فِيمَا كَانَ مِنَ الْكَلَامِ مُكْتَفِيًا بِوَاحِدٍ دُونَ مَا كَانَ نَاقِصًا عَنْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ نَحْوَ مَا أُبَالِي أَوْ مَا أَدْرِي، فَأَجَازُوا فِي ذَلِكَ مَا أُبَالِي أَقُمْتُ، وَهُمْ يُرِيدُونَ: مَا أُبَالِي أَقُمْتُ أَمْ قَعَدْتُ، لِاكْتِفَاءِ مَا أُبَالِي بِوَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ فِي مَا أَدْرِي، وَأَبَوُا الْإِجَازَةَ فِي
الصفحة 690