كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 5)
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَكَذَلِكَ فِعْلُ اللَّهِ بِنَفَقَةِ الْكَافِرِ وَصَدَقَتِهِ فِي حَيَاتِهِ حِينَ يَلْقَاهُ يُبْطِلُ ثَوَابَهَا، وَيُخَيِّبُ رَجَاءَهُ مِنْهَا، وَخَرَجَ الْمَثَلُ لِلنَّفَقَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَثَلِ صَنِيعَ اللَّهِ بِالنَّفَقَةِ، فَبَيَّنَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} [آل عمران: 117] فَهُوَ كَمَا قَدْ بَيَّنَّا فِي مِثَلِهِ مِنْ قَوْلِهِ: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} [البقرة: 17] وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: مَثَلُ إِبْطَالِ اللَّهِ أَجْرَ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، كَمَثَلِ رِيحٍ صِرٍّ. وَإِنَّمَا جَازَ تَرْكُ ذِكْرِ إِبْطَالِ اللَّهِ أَجْرَ ذَلِكَ لِدَلَالَةِ آخِرِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} [آل عمران: 117] وَلِمَعْرِفَةِ السَّامِعِ ذَلِكَ مَعْنَاهُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى النَّفَقَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ النَّفَقَةُ الْمَعْرُوفَةُ فِي النَّاسِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {§مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [آل عمران: 117] قَالَ: «نَفَقَةُ الْكَافِرِ فِي الدُّنْيَا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ قَوْلُهُ الَّذِي يَقُولُهُ بِلِسَانِهِ مِمَّا لَا يُصَدِّقُهُ بِقَلْبِهِ
الصفحة 704