كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 5)

بِلَفْظِ الْمَاضِي فِي مَحَلِّ الْحَالِ وَالْقَطْعِ بَعْدَ تَمَامِ الْخَبَرِ، وَالْحَالَاتُ الَّتِي لَا تَكُونُ إِلَّا بِصُوَرِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ الْمُسْتَقْبَلَةِ دُونَ الْمَاضِيَةِ مِنْهَا؟ قِيلَ: لَيْسَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا ظَنَنْتَ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} [آل عمران: 118] حَالٌ مِنَ الْبِطَانَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْهُمْ ثَانٍ، مُنْقَطِعٌ عَنِ الْأَوَّلِ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِهِ، وَإِنَّمَا تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةٌ صِفَتُهُمْ كَذَا صِفَتُهُمْ كَذَا، فَالْخَبَرُ عَنِ الصُّفَّةِ الثَّانِيَةِ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِالصِّفَةِ الْأُولَى، وَإِنْ كَانَتَا جَمِيعًا مِنْ صِفَةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ قَوْلَهُ: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} [آل عمران: 118] مِنْ صِلَةِ الْبِطَانَةِ، وَقَدْ وُصِلَتْ بِقَوْلِهِ: {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} [آل عمران: 118] فَلَا وَجْهَ لِصِلَةٍ أُخْرَى بَعْدَ تَمَامِ الْبِطَانَةِ بِصِلَتِهِ، وَلَكِنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَّا قَبْلُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} [آل عمران: 118] خَبَرٌ مُبْتَدَأٌ عَنِ الْبِطَانَةِ غَيْرُ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ، وَغَيْرُ حَالٍ مِنَ الْبِطَانَةِ وَلَا قَطْعٍ مِنْهَا
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} [آل عمران: 118] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: قَدْ بَدَتْ بَغْضَاءُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَهَيْتُكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تَتَّخِذُوهُمْ بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ، يَعْنِي بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَالَّذِي بَدَا لَهُمْ مِنْهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ إِقَامَتَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَعَدَوَاتُهُمْ مَنْ خَالَفَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنَ الضَّلَالَةِ، فَذَلِكَ مِنْ أَوْكَدِ الْأَسْبَابِ مِنْ مُعَادَاتِهِمْ أَهْلَ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ

الصفحة 712