كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 5)
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 119] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْيَهُودِ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكَ صِفَتَهُمْ، وَأَخْبَرْتُكَ أَنَّهُمْ إِذَا لَقُوا أَصْحَابَكَ، قَالُوا آمَنَّا، وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ: مُوتُوا بِغَيْظِكُمُ الَّذِي بِكُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، لِاجْتِمَاعِ كَلِمَتِهِمْ، وَائْتِلَافِ جَمَاعَتِهِمْ. وَخَرَجَ هَذَا الْكَلَامُ مَخْرَجَ الْأَمْرِ، وَهُوَ دُعَاءٌ مِنَ اللَّهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُهْلِكَهُمُ اللَّهُ كَمَدًا مِمَّا بِهِمْ مِنَ الْغَيْظِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، قَبْلَ أَنْ يَرَوْا فِيهِمْ مَا يَتَمَنَّوْنَ لَهُمْ مِنَ الْعَنَتِ فِي دِينِهِمْ، وَالضَّلَالَةِ بَعْدَ هَدَاهُمْ، فَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ: اهْلَكُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٍ بِذَاتِ الصُّدُورِ، يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ ذُو عِلْمٍ بِالَّذِي فِي صُدُورِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ إِذَا لَقُوا الْمُؤْمِنِينَ، قَالُوا: آمَنَّا، وَمَا يَنْطَوُونَ لَهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْغِلِّ وَالْغَمِّ، وَيَعْتَقِدُونَ لَهُمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، وَبِمَا فِي صُدُورِ جَمِيعِ خَلْقِهِ، حَافِظٌ عَلَى جَمِيعِهِمْ مَا هُوَ عَلَيْهِ مُنْطَوٍ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، حَتَّى يُجَازَى جَمِيعُهُمْ عَلَى مَا قَدَّمَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَاعْتَقَدَ مِنْ إِيمَانٍ وَكُفْرٍ، وَانْطَوَى عَلَيْهِ لِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ نَصِيحَةٍ أَوْ غِلٍّ وَغَمْرٍ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 120] يَعْنِي بِقَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} [آل عمران: 120] إِنْ تَنَالُوا أَيُّهَا -[722]- الْمُؤْمِنُونَ سُرُورًا بِظُهُورِكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ، وَتَتَابُعِ النَّاسِ فِي الدُّخُولِ فِي دِينِكُمْ، وَتَصْدِيقِ نَبِيِّكُمْ، وَمُعَاوَنَتِكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ، يَسُؤْهُمْ. وَإِنْ تَنَلْكُمْ مَسَاءَةٌ بِإِخْفَاقِ سَرِيَّةٍ لَكُمْ، أَوْ بِإِصَابَةِ عَدُوٍّ لَكُمْ مِنْكُمْ، أَوِ اخْتِلَافٍ يَكُونُ بَيْنَ جَمَاعَتِكُمْ يَفْرَحُوا بِهَا
الصفحة 721