كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 5)
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: {§وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ} [البقرة: 282] قَالَ: " كَانَتْ عَزِيمَةً فَنَسَخَتْهَا: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] "
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: {§وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ} [البقرة: 282] «فَكَانَ هَذَا وَاجِبًا عَلَى الْكُتَّابِ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ عَلَى الْوُجُوبِ، وَلَكِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْكَاتِبِ فِي حَالِ فَرَاغِهِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: {§وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ} [البقرة: 282] يَقُولُ: «لَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ إِنْ كَانَ فَارِغًا» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ الْمُتَدَايِنِينَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى بِاكْتِتَابِ كُتُبِ الدَّيْنِ بَيْنَهُمْ، وَأَمَرَ الْكَاتِبَ أَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ، وَأَمْرُ اللَّهِ فَرْضٌ لَازِمٌ، إِلَّا أَنْ تَقُومَ حُجَّةٌ بِأَنَّهُ إِرْشَادٌ وَنَدْبٌ، وَلَا دَلَالَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ جَلَّ ثناؤُهُ بِاكْتِتَابِ الْكُتُبِ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ تَقَدُّمَهُ إِلَى الْكَاتِبِ أَنْ لَا يَأْبَى كِتَابَةَ ذَلِكَ -[79]- نَدْبٌ وَإِرْشَادٌ، فَذَلِكَ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ لَا يَسَعُهُمْ تَضْيِيعُهُ، وَمَنْ ضَيَّعَهُ مِنْهُمْ كَانَ حَرِجًا بِتَضْيِيعِهِ وَلَا وَجْهَ لِاعْتِلَالِ مَنِ اعْتَلَّ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِهِ، حَيْثُ لَا سَبِيلَ إِلَى الْكِتَابِ، أَوْ إِلَى الْكَاتِبِ فَأَمَّا وَالْكِتَابُ وَالْكَاتِبُ مَوْجُودَانِ، فَالْفَرْضُ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ: {فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ} [البقرة: 282] وَإِنَّمَا يَكُونُ النَّاسِخُ مَا لَمْ يَجُزِ اجْتِمَاعُ حُكْمِهِ وَحُكْمِ الْمَنْسُوخِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ عَلَى السَّبِيلِ الَّتِي قَدْ بَيَّنَّاهَا، فَأَمَّا مَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ نَافٍ حُكْمَ الْآخَرِ، فَلَيْسَ مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فِي شَيْءٍ، وَلَوْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] نَاسِخًا قَوْلَهُ: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ} [البقرة: 282] لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] نَاسِخًا الْوضُوءَ بِالْمَاءِ فِي الْحَضَرِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ فِيهِ، وَفِي السَّفَرِ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] وَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] نَاسِخًا قَوْلَهُ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] فَيَسْأَلُ الْقَائِلُ إِنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] نَاسِخٌ قَوْلَهُ -[80]-: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] مَا الْفَرَقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَائِلِ فِي التَّيَمُّمِ وَمَا ذَكَرْنَا قَوْلَهُ، فَزَعَمَ أَنَّ كُلَّ مَا أُبِيحَ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ لِعِلَّةِ الضَّرُورَةِ نَاسِخٌ حُكْمُهُ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ حُكْمَهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ نَظِيرَ قَوْلِهِ فِي أَنَّ الْأَمْرَ بِاكْتِتَابِ كُتُبِ الدُّيُونِ وَالْحُقُوقِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] ؟ فَإِنْ قَالَ: الْفَرَقُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَنَّ قَوْلَهُ: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [البقرة: 283] كَلَامٌ مُنْقَطِعٌ عَنْ قَوْلِهِ: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وَقَدِ انْتَهَى الْحُكْمُ فِي السَّفَرِ إِذَا عُدِمَ فِيهِ الْكَاتِبُ بِقَوْلِهِ: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [البقرة: 283] إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَأَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ، قِيلَ لَهُ: وَمَا الْبُرْهَانُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَصْلٍ أَوْ قِيَاسٍ وَقَدِ انْقَضَى الْحُكْمُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي فِيهِ إِلَى الْكَاتِبِ وَالْكِتَابِ سَبِيلٌ بِقَوْلِهِ: {وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] ؟ وَأَمَّا الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ قَوْلَهُ: {فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] وَقَوْلَهُ: {وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ} [البقرة: 282] عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ وَالْإِرْشَادِ، فَإِنَّهُمْ يَسْأَلُونَ الْبُرْهَانَ عَلَى دَعْوَاهُمْ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ يُعَارِضُونَ بِسَائِرِ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي أَمَرَ فِي كِتَابِهِ، وَيَسْأَلُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا ادَّعَوْا فِي ذَلِكَ وَأَنْكَرُوهُ فِي غَيْرِهِ، فَلَنْ يَقُولُوا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمُوا بِالْآخَرِ مِثْلَهُ. -[81]- ذِكْرُ مَنْ قَالَ: الْعَدْلُ فِي قَوْلِهِ: {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282] الْحَقُّ
الصفحة 78