 
	    كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 6)
وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ يَخْتَارُ فِي قَوْلِهِ: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} [المؤمنون: 82] تَرْكَ إِعَادَةِ الِاسْتِفْهَامِ مَعَ {أَئِنَّا} [المؤمنون: 82] ، اكْتِفَاءً بِالِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِهِ: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا} [المؤمنون: 82] ، وَيَسْتَشْهِدُ عَلَى صِحَّةِ وَجْهِ ذَلِكَ بِاجْتِمَاعِ الْقُرَّاءِ عَلَى تَرْكِهِمْ إِعَادَةَ الِاسْتِفَهَامِ مَعَ قَوْلِهِ: {انْقَلَبْتُمْ} [آل عمران: 144] ، اكْتِفَاءً بِالِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِهِ: {أَفَإِنْ مَاتَ} [آل عمران: 144] إِذَا كَانَ دَالًّا عَلَى مَعْنَى الْكَلَامِ وَمَوْضِعِ الِاسْتِفْهَامِ مِنْهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَسَنَأْتِي عَلَى الصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا} [آل عمران: 145] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَمَا يَمُوتُ مُحَمَّدٌ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إِلَّا بَعْدَ بُلُوغِ أَجَلِهِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ غَايَةً لِحَيَاتِهِ وَبَقَائِهِ، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ مِنَ الْأَجَلِ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ لَهُ وَأَذِنَ لَهُ بِالْمَوْتِ فَحِينَئِذٍ يَمُوتُ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَنْ تَمُوتَ بِكَيْدِ كَائِدٍ وَلَا بِحِيلَةِ مُحْتَالٍ
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {§وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا} [آل عمران: 145] «أَيْ أَنَّ لِمُحَمَّدٍ أَجَلًا هُوَ بَالِغُهُ إِذَا أَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِي ذَلِكَ كَانَ» -[107]- وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَا كَانَتْ نَفْسٌ لِتَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى النَّاصِبِ قَوْلَهُ: {كِتَابًا مُؤَجَّلًا} [آل عمران: 145] ؛ فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: هُوَ تَوْكِيدٌ، وَنَصْبُهُ عَلَى: كَتَبَ اللَّهُ كِتَابًا مُؤَجَّلًا، قَالَ: وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ قَوْلِهِ «حَقًّا» ، إِنَّمَا هُوَ: أَحَقَّ ذَلِكَ حَقًّا، وَكَذَلِكَ: {وَعْدَ اللَّهِ} [النساء: 122] ، وَ {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الإسراء: 28] ، وَ {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] ، وَ {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء: 24] إِنَّمَا هُوَ: صَنَعَ اللَّهُ هَكَذَا صُنْعًا، فَهَكَذَا تَفْسِيرُ كُلِّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَحْوِ هَذَا، فَإِنَّهُ كَثِيرٌ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: 145] مَعْنَاهُ: كَتَبَ اللَّهُ آجَالَ النُّفُوسِ، ثُمَّ قِيلَ: كِتَابًا مُؤَجَّلًا، فَأَخْرَجَ قَوْلَهُ: كِتَابًا مُؤَجَّلًا، نَصَبًا مِنَ الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْكَلَامِ، إِذْ كَانَ قَوْلُهُ: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: 145] قَدْ أَدَّى عَنْ مَعْنَى «كَتَبَ» ، قَالَ: وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَظَائِرِ ذَلِكَ، فَهُوَ عَلَى هَذَا النَّحْوِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: قَوْلُ الْقَائِلِ: زَيْدٌ قَائِمٌ حَقًّا، بِمَعْنَى: أَقُولُ زَيْدٌ قَائِمٌ حَقًّا؛ لِأَنَّ كُلَّ كَلَامٍ قَوْلٌ، فَأَدَّى الْمَقُولُ عَنِ الْقَوْلِ، ثُمَّ خَرَجَ مَا بَعْدَهُ مِنْهُ، كَمَا تَقُولُ: أَقُولُ قَوْلًا حَقًّا، وَكَذَلِكَ ظَنًّا وَيَقِينًا، وَكَذَلِكَ وَعَدَ اللَّهِ، وَمَا أَشْبَهَهُ. -[108]- وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ، لِأَنَّ فِي كُلِّ مَا قَبْلَ الْمَصَادِرِ الَّتِي هِيَ مُخَالِفَةٌ أَلْفَاظُهَا أَلْفَاظَ مَا قَبْلَهَا مِنَ الْكَلَامِ مَعَانِي أَلْفَاظِ الْمَصَادِرِ وَإِنْ خَالَفَهَا فِي اللَّفْظِ فَنَصْبُهَا مِنْ مَعَانِي مَا قَبْلَهَا دُونَ أَلْفَاظِهِ
الصفحة 106