كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 6)

مَشُورَتِهِ عَلَى أَصْحَابِهِ بِالرَّأْيِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَلَى مَا وَصَفَهُ الَّذِينَ حَكَيْنَا قَوْلَهُمْ؛ يُقَالُ مِنْهُ: بَوَّأْتُ الْقَوْمَ مَنْزِلًا وَبَوَّأْتُهُ لَهُمْ فَأَنَا أُبَوِّئُهُمُ الْمَنْزِلَ تَبْوِئَةً، وَأُبَوِّئُ لَهُمْ مَنْزِلًا تَبْوِئَةً، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ فِيَ قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: «وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ» وَذَلِكَ جَائِزٌ، كَمَا يُقَالُ: رَدِفَكَ وَرَدِفَ لَكَ، ونَقَدْتُ لَهَا صَدَاقَهَا وَنَقَدْتُهَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر البسيط]

أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا لَسْتُ مُحْصِيَهُ ... رَبَّ الْعِبَادِ إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ
وَالْكَلَامُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِذَنْبٍ، وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا: أَبَأْتُ الْقَوْمَ مَنْزِلًا فَأَنَا أُبِيئُهُمْ إِبَاءَةً، وَيُقَالُ مِنْهُ: أَبَأْتُ الْإِبِلَ: إِذَا رَدَدْتُهَا إِلَى الْمَبَاءَةِ، وَالْمَبَاءَةُ: الْمُرَاحُ الَّذِي تَبِيتُ فِيهِ، وَالْمَقَاعِدُ جَمْعُ مَقْعَدٍ وَهُوَ الْمَجْلِسُ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَاذْكُرْ إِذْ غَدَوْتَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ أَهْلِكَ تَتَّخِذُ لِلْمُؤْمِنِينَ مُعَسْكَرًا وَمَوْضِعًا لِقِتَالِ عَدُوِّهِمْ. وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: 121] يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ سَمِيعٌ لِمَا يَقُولُ الْمُؤْمِنُونَ لَكَ، فِيمَا شَاوَرْتَهُمْ فِيهِ مِنْ مَوْضِعِ لِقَائِكَ وَلِقَائِهِمْ عَدُوَّكَ وَعَدُوَّهُمْ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: اخْرُجْ بِنَا إِلَيْهِمْ حَتَّى نَلْقَاهُمْ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لَكَ: لَا تَخْرُجْ إِلَيْهِمْ وَأَقِمْ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى يَدْخُلُوهَا عَلَيْنَا، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ، وَمِمَّا تُشِيرَ بِهِ عَلَيْهِمْ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ، عَلِيمٌ بِأَصْلَحِ تِلْكَ الْآرَاءِ لَكَ وَلَهُمْ، وَبِمَا تُخْفِيهِ صُدُورُ

الصفحة 11