كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 6)
وَقَرَأَ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ بِالتَّأْنِيثِ: (تَغْشَى) بِالتَّاءِ، وَذَهَبَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالتَّذْكِيرِ إِلَى أَنَّ النُّعَاسَ هُوَ الَّذِي يَغْشَى الطَّائِفَةَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ دُونَ الْأَمَنَةِ، فَذَكَّرَهُ بِتَذْكِيرِ النُّعَاسِ، وَذَهَبَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالتَّأْنِيثِ إِلَى أَنَّ الْأَمَنَةَ هِيَ الَّتِي تَغْشَاهُمْ، فَأَنَّثُوهُ لِتَأْنِيثِ الْأَمَنَةِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ غَيْرُ مُخْتَلِفَتَيْنِ فِي مَعْنًى وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمَنَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هِيَ النُّعَاسُ، وَالنُّعَاسُ: هُوَ الْأَمَنَةُ، وَسَوَاءٌ ذَلِكَ، وَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَهُوَ مُصِيبٌ الْحَقَّ فِي قِرَاءَتِهِ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَظَائِرِهِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ} [الدخان: 44] ، وَ {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} [القيامة: 37] ، {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ} [مريم: 25] فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا كَانَ السَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ افْتَرَقَتِ الطَّائِفَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا افْتَرَقَتَا فِيهِ مِنْ صِفَتِهِمَا، فَآمَنَتْ إِحْدَاهُمَا بِنَفْسِهَا حَتَّى نَعَسَتْ، وَأَهَمَّتِ الْأُخْرَى نَفْسُهَا حَتَّى ظَنَّتْ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ؟ قِيلَ: كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ " أَنَّ الْمُشْرِكِينَ، انْصَرَفُوا يَوْمَ أُحُدٍ بَعْدَ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَوَاعَدُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا مِنْ قَابِلٍ، فَقَالَ لَهُمْ: «نَعَمْ» فَتَخَوَّفَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَنْزِلُوا الْمَدِينَةَ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا، فَقَالَ: «انْظُرْ فَإِنْ رَأَيْتَهُمْ قَعَدُوا عَلَى أَثْقَالِهِمْ وَجَنَّبُوا خُيُولَهُمْ، فَإِنَّ
الصفحة 160