كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 6)

§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} [آل عمران: 135] أَنَّ الْجَنَّةَ الَّتِي وَصَفَ صِفَتَهَا أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الْمُنْفِقِينَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً، وَجَمِيعُ هَذِهِ النُّعُوتِ مِنْ صِفَةِ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}
كَمَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {§الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 135] إِلَى {أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 136] فَقَالَ: «إِنَّ هَذَيْنِ النَّعْتَيْنِ لِنَعْتِ رَجُلٍ وَاحِدٍ»
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {§وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [آل عمران: 135] قَالَ: " هَذَانِ ذَنْبَانِ: الْفَاحِشَةُ ذَنْبٌ، وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَنْبُ " -[61]- وَأَمَّا الْفَاحِشَةُ فَهِيَ صِفَةٌ لِمَتْرُوكٍ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فِعْلَةً فَاحِشَةً، وَمَعْنَى الْفَاحِشَةِ: الْفِعْلَةُ الْقَبِيحَةُ الْخَارِجَةُ عَمَّا أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ، وَأَصْلُ الْفُحْشِ الْقُبْحُ وَالْخُرُوجُ عَنِ الْحَدِّ وَالْمِقْدَارِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلطَّوِيلِ الْمُفْرِطِ الطُّولِ: إِنَّهُ لَفَاحِشُ الطُّولِ، يُرَادُ بِهِ: قَبِيحُ الطُّولِ، خَارِجٌ عَنِ الْمِقْدَارِ الْمُسْتَحْسَنِ؛ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْكَلَامِ الْقَبِيحِ غَيْرِ الْقَصْدِ: كَلَامٌ فَاحِشٌ، وَقِيلَ لِلْمُتَكَلِّمِ بِهِ: أَفْحَشَ فِي كَلَامِهِ: إِذَا نَطَقَ بِفُحْشٍ، وَقِيلَ: إِنَّ الْفَاحِشَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعْنِيُّ بِهَا الزِّنَا

الصفحة 60