كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 6)

فَتَجُورُوا عَنْ طَاعَتِهِ إِلَى مَعْصِيَتِهِ , وَتَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ فِي اتِّبَاعِ شَهَوَاتِ أَنْفُسِكُمْ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ وَتَرَكَ طَاعَتَهُ , مَيْلًا عَظِيمًا , وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّ بِقَوْلِهِ: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ} [النساء: 27] فَوَصَفَهُمْ بِاتِّبَاعِ شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمُ الْمَذْمُومَةِ , وَعَمَّهُمْ بِوَصْفِهِمْ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وَصْفِهِمْ بِاتِّبَاعِ بَعْضِ الشَّهَوَاتِ الْمَذْمُومَةِ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَأَوْلَى الْمَعَانِي بِالْآيَةِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُهَا دُونَ بَاطِنِهَا الَّذِي لَا شَاهِدَ عَلَيْهِ مِنْ أَصْلٍ أَوْ قِيَاسٍ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ دَاخِلَا فِي الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالزُّنَاةِ وَكُلِّ مُتَّبِعٍ بَاطِلًا , لِأَنَّ كُلَّ مُتَّبِعٍ مَا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ فَمُتَّبِعٌ شَهْوَةَ نَفْسِهِ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ أَوْلَى , وَجَبَتْ صِحَّةُ مَا اخْتَرْنَا مِنَ الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: 28] يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُيَسِّرَ عَلَيْكُمْ بِإِذْنِهِ لَكُمْ فِي نِكَاحِ الْفَتَيَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ إِذَا لَمْ تَسْتَطِيعُوا طَوْلًا لِحُرَّةٍ. {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28] يَقُولُ: " يَسَّرَ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ إِذَا كُنْتُمْ غَيْرَ مُسْتَطِيعِي الطَّوْلِ لِلْحَرَائِرِ , لِأَنَّكُمْ خُلِقْتُمْ ضُعَفَاءَ عَجَزَةً عَنْ تَرْكِ جِمَاعِ النِّسَاءِ قَلِيلِي الصَّبْرِ عَنْهُ , فَأَذِنَ لَكُمْ فِي نِكَاحِ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ , عِنْدَ خَوْفِكُمُ الْعَنَتَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ , وَلَمْ تَجِدُوا طَوْلًا لِحُرَّةٍ لِئَلَّا تَزْنُوا , لِقِلَّةِ صَبْرِكُمْ عَلَى تَرْكِ جِمَاعِ النِّسَاءِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ

الصفحة 624