كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 6)
وَأَحَلَّ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ السُّدِّيِّ: وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ حَرَّمَ أَكْلَ أَمْوَالِنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ , وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ أَكْلَ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْنَا , فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَحِلَّ قَطُّ أَكْلَ الْأَمْوَالِ بِالْبَاطِلِ , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: كَانَ ذَلِكَ نَهْيًا عَنْ أَكْلِ الرَّجُلِ طَعَامَ أَخِيهِ قِرًى عَلَى وَجْهِ مَا أَذِنَ لَهُ , ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ لِنَقْلِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ جَمِيعًا وَجْهًا لَهَا أَنَّ قِرَى الضَّيْفِ , وَإِطْعَامَ الطَّعَامِ كَانَ مِنْ حَمِيدِ أَفْعَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْإِسْلَامِ , الَّتِي حَمِدَ اللَّهُ أَهْلَهَا عَلَيْهِ وَنَدَبَهُمْ إِلَيْهَا , وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْ ذَلِكَ فِي عَصْرٍ مِنَ الْعُصُورِ , بَلْ نَدَبَ اللَّهُ عِبَادَهُ , وَحَثَّهُمْ عَلَيْهِ , وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَهُوَ مِنْ مَعْنَى الْأَكْلِ بِالْبَاطِلِ خَارِجٌ , وَمِنْ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا أَوْ مَنْسُوخًا بِمَعْزِلٍ , لِأَنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا يَكُونُ لِمَنْسُوخٍ , وَلَمْ يَثْبُتِ النَّهْي عَنْهُ , فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا بِالْإِبَاحَةِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , صَحَّ الْقَوْلُ الَّذِي قُلْنَاهُ , مِنْ أَنَّ الْبَاطِلَ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْ أَكَلِ الْأَمْوَالِ بِهِ , هُوَ مَا وَصَفْنَا مِمَّا حَرَّمَهُ عَلَى عِبَادِهِ فِي تَنْزِيلِهِ , أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَشَذَّ مَا خَالَفَهُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فَقَرَأَهَا بَعْضُهُمْ: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةٌ) , رَفْعًا بِمَعْنَى: إِلَّا أَنْ تُوجَدَ تِجَارَةٌ , أَوْ تَقَعَ تِجَارَةٌ عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ , فَيَحِلُّ لَكُمْ أَكْلُهَا حِينَئِذٍ بِذَلِكَ الْمَعْنَى. ومَذْهَبُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: أَنَّ تَكُونَ تَامَّةٌ
الصفحة 628