كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 6)
هَهُنَا لَا حَاجَةَ بِهَا إِلَى خَبَرٍ عَلَى مَا وَصَفْتُ؛ وَبِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ قَرَأَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ , وَهُمْ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً} [البقرة: 282] نَصْبًا , بِمَعْنَى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَمْوَالُ الَّتِي تَأْكُلُونَهَا بَيْنَكُمْ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ , فَيَحِلُّ لَكُمْ هُنَالِكَ أَكْلُهَا , فَتَكُونُ الْأَمْوَالُ مُضْمَرَةً فِي قَوْلِهِ: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ} [البقرة: 282] وَالتِّجَارَةُ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْخَبَرِ. وَكِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ عِنْدَنَا صَوَابٌ جَائِزُ الْقِرَاءَةِ بِهِمَا , لِاسْتِفَاضَتِهِمَا فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ مَعَ تَقَارُبِ مَعَانِيهِمَا. غَيْرَ أَنَّ الْأَمْرَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ , فَإِنَّ قِرَاءَةَ ذَلِكَ بِالنَّصْبِ أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْ قِرَاءَتِهِ بِالرَّفْعِ , لِقُوَّةِ النَّصْبِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِي تَكُونُ ذِكْرًا مِنَ الْأَمْوَالِ , وَالْآخَرُ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ فِيهَا ذِكْرٌ مِنْهَا ثُمَّ أُفْرِدَتْ بِالتِّجَارَةِ وَهِيَ نَكِرَةٌ , كَانَ فَصِيحًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ النَّصْبُ , إِذْ كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى اسْمٍ وَخَبَرٍ , فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ مَعَهَا إِلَّا نَكِرَةٌ وَاحِدَةٌ نَصَبُوا وَرَفَعُوا , كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]
إِذَا كَانَ طَعْنًا بَيْنَهُمْ وَعِنَاقَا
فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ إِبَانَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ تَكْذِيبِ قَوْلِ الْجَهَلَةِ مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ الْمُنْكِرِينَ طَلَبَ الْأَقْوَاتِ بِالتِّجَارَاتِ وَالصِّنَاعَاتِ , وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً
الصفحة 629