كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 6)

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ , قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ , قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ , قَالَ: ثنا سِمَاكٌ , عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَايَعَ رَجُلًا ثُمَّ قَالَ لَهُ: «اخْتَرْ» فَقَالَ: قَدِ اخْتَرْتُ , فَقَالَ: «§هَكَذَا الْبَيْعُ» قَالُوا: فَالتَّجَارَةُ عَنْ تَرَاضٍ هُوَ مَا كَانَ عَلَى بَيِّنَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَخْيِيرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ فِي إِمْضَاءِ الْبَيْعِ فِيمَا يَتَبَايَعَانِهِ بَيْنَهُمَا , أَوْ نَقْضِهِ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا وَقَبْلَ الِافْتِرَاقِ , أَوْ مَا تَفَرَّقَا عَنْهُ بِأَبْدَانِهِمَا , عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا بَعْدَ مُوَاجَبَةِ الْبَيْعِ فِيهِ عَنْ مَجْلِسِهِمَا , فَمَا كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ التِّجَارَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمَا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ التَّرَاضِي فِي التِّجَارَةِ يُوجِبُ عَقْدَ الْبَيْعِ فِيمَا تَبَايَعَهُ الْمُتَبَايعَانِ بَيْنَهُمَا عَنْ رِضًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا مَلَكَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَمَلَكَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ , افْتَرَقَا عَنْ مَجْلِسِهِمَا ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَفْتَرِقَا , تَخَايَرَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ لَمْ يَتَخَايَرَا فِيهِ بَعْدَ عَقْدِهِ. وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ: أَنَّ الْبَيْعَ إِنَّمَا هُوَ بِالْقَوْلِ , كَمَا أَنَّ النِّكَاحَ بِالْقَوْلِ , وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْإِجْبَارِ فِي النِّكَاحِ لِأَحَدِ الْمُتَنَاكِحَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ , افْتَرَقَا أَوْ لَمْ يَفْتَرِقَا عَنْ مَجْلِسِهِمَا الَّذِي جَرَى ذَلِكَ فِيهِ. قَالُوا: فَكَذَلِكَ حُكْمُ الْبَيْعِ. وَتَأَوَّلُوا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» عَلَى أَنَّهُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِالْقَوْلِ. وَمِمَّنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ , وَأَبُو حَنِيفَةَ , وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. -[636]- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ التِّجَارَةَ الَّتِي هِيَ عَنْ تَرَاضٍ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ: مَا تَفَرَّقَ الْمُتَبَايعَانِ عَلَى الْمَجْلِسِ الَّذِي تَوَاجَبَا فِيهِ بَيْنَهُمَا عُقْدَةَ الْبَيْعِ بِأَبْدَانِهِمَا , عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا , وَعَنْ تَخْيِيرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ؛ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا

الصفحة 635