كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 6)
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ , قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ , وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ , قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ , قَالَ: ثنا أَيُّوبُ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا , أَوْ يَكُونَ بَيْعُ خِيَارٍ» وَرُبَّمَا قَالَ: " أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: اخْتَرْ " فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيحًا , فَلَيْسَ يَخْلُو قَوْلُ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ , مِنْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ , أَوْ مَعَهُ , أَوْ بَعْدَهُ. فَإِنْ يَكُنْ قَبْلَهُ , فَذَلِكَ الْخُلْفُ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي لَا مَعْنَى لَهُ , لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ قَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ , مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالِكًا , فَيَكُونُ لِتَخْيِيرِهِ صَاحِبَهُ فِيمَا يَمْلِكُ عَلَيْهِ وَجْهٌ مَفْهُومٌ , وَلَا فِيهِمَا مَنْ يَجْهَلُ , أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي تَمْلِيكِ صَاحِبِهِ مَا هُوَ لَهُ غَيْرُ مَالِكٍ بِعِوَضٍ يَعْتَاضُهُ مِنْهُ , فَيُقَالَ لَهُ: أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِيمَا تُرِيدُ أَنْ تُحْدِثَهُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ. أَوْ يَكُونُ إِنْ بَطَلَ هَذَا الْمَعْنَى تَخْيِيرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ مَعَ عَقْدِ الْبَيْعِ , وَمَعْنَى التَّخْيِيرِ فِي تِلْكَ الْحَالِ , نَظِيرُ مَعْنَى التَّخْيِيرِ قَبْلَهَا , لِأَنَّهَا حَالَةٌ لَمْ يَزَلْ فِيهَا عَنْ أَحَدِهِمَا مَا كَانَ مَالِكَهُ قَبْلَ ذَلِكَ إِلَى صَاحِبِهِ , فَيَكُونُ لِلتَّخْيِيرِ وَجْهٌ مَفْهُومٌ. أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ -[637]- عَقْدِ الْبَيْعِ , إِذَا فَسَدَ هَذَانِ الْمَعْنَيَانِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ صَحَّ أَنَّ الْمَعْنَىَ الْآخَرَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَعْنِي قَوْلَهُ: «مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» إِنَّمَا هُوَ التَّفَرُّقُ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ , كَمَا كَانَ التَّخْيِيرُ بَعْدَهُ , وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ , فَسَدَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّمَا هُوَ التَّفَرُّقُ بِالْقَوْلِ الَّذِي بِهِ يَكُونُ الْبَيْعُ. وَإِذَا فَسَدَ ذَلِكَ صَحَّ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ التَّخْيِيرَ وَالِافْتِرَاقَ إِنَّمَا هُمَا مَعْنَيَانِ بِهِمَا يَكُونُ تَمَامُ الْبَيْعِ بَعْدَ عَقْدِهِ , وَصَحَّ تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْلُكُمُ الْأَمْوَالَ الَّتِي يَأْكُلُهَا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَنْ مِلْكٍ مِنْكُمْ عَمَّنْ مَلَكْتُمُوهَا عَلَيْهِ بِتِجَارَةٍ تَبَايَعْتُمُوهَا بَيْنَكُمْ , وَافْتَرَقْتُمْ عَنْهَا , عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ بَيْنَكُمْ بِأَبْدَانِكُمْ , أَوْ يُخَيِّرُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا
الصفحة 636