كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 6)
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {عُدْوَانًا} [النساء: 30] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: تَجَاوُزًا لِمَا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ إِلَى مَا حَرَّمَهُ عَلَيْهِ {وَظُلْمًا} [النساء: 30] يَعْنِي: " فِعْلًا مِنْهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ مَا أَذِنَ اللَّهُ بِهِ , وَرُكُوبًا مِنْهُ مَا قَدْ نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: {فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا} [النساء: 30] يَقُولُ: " فَسَوْفَ نُورِدُهُ نَارًا يُصْلَى بِهَا فَيَحْتِرَقُ فِيهَا. {وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء: 30] يَعْنِي: " وَكَانَ إِصْلَاءُ فَاعِلِ ذَلِكَ النَّارَ وَإِحْرَاقُهُ بِهَا عَلَى اللَّهِ سَهْلًا يَسِيرًا , لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الامْتِنَاعِ عَلَى رَبِّهِ مِمَّا أَرَادَ بِهِ مِنْ سُوءٍ. وَإِنَّمَا يَصْعُبُ الْوَفَاءُ بِالْوَعِيدِ لِمَنْ تَوَعَّدَهُ عَلَى مَنْ كَانَ إِذَا حَاوَلَ الْوَفَاءَ بِهِ قَدَرَ الْمُتَوَعَّدُ مِنَ الامْتِنَاعِ مِنْهُ , فَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي قَبْضَةِ مُوَعِّدِهِ فَيَسِيرٌ عَلَيْهِ إِمْضَاءُ حُكْمِهِ فِيهِ وَالْوَفَاءُ لَهُ بِوَعِيدِهِ , غَيْرُ عَسِيرٍ عَلَيْهِ أَمْرٌ أَرَادَهُ بِهِ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: 31] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْكَبَائِرِ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَادَهُ بِاجْتِنَابِهَا تَكْفِيرَ سَائِرِ سَيِّئَاتِهِمْ عَنْهُمْ , فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْكَبَائِرُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] هِيَ مَا تَقَدَّمَ اللَّهُ إِلَى عِبَادِهِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ إِلَى رَأْسِ الثَّلَاثِينَ مِنْهَا
الصفحة 640