كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 6)

حَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ , فَقَالَ: ثنا سُفْيَانُ , قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ النَّخَعِيُّ , وَكَانَ عَلَى السِّجْنِ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي عَمْرٍو , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقُلْتُ: §أَيُّ الْعَمَلِ شَرٌّ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ , وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ , وَأَنْ تَزْنِيَ بِجَارَتِكَ» وَقَرَأَ عَلَيَّ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى مَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِ الْكَبَائِرِ بِالصِّحَّةِ , مَا صَحَّ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ , وَإِنْ كَانَ كُلُّ قَائِلٍ فِيهَا قَوْلًا مِنَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا أَقْوَالَهُمْ , قَدِ اجْتَهَدَ وَبَالَغَ فِي نَفْسِهِ , وَلِقَوْلِهِ فِي الصِّحَّةِ مَذْهَبٌ. فَالْكَبَائِرُ إِذَنِ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ , وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ , وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمُ قَتْلُهَا , وَقَوْلُ الزُّورِ , وَقَدْ يَدْخُلُ فِي قَوْلِ الزُّورِ , شَهَادَةُ الزُّورِ , وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ , وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ , وَالسِّحْرُ. وَيَدْخُلُ فِي قَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرِّمُ قَتْلُهَا: قَتْلُ الرَّجُلِ وَلَدَهُ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَطْعَمَ مَعَهُ , وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ , وَالزِّنَا بِحَلِيلَةِ الْجَارِ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ صَحَّ كُلُّ خَبَرٍ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَعْنَى الْكَبَائِرِ , وَكَانَ بَعْضُهُ مُصَدِّقًا بَعْضًا , وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «هِيَ سَبْعٌ» يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ حِينَئِذٍ «هِيَ سَبْعٌ» عَلَى التَّفْصِيلِ , وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «هِيَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ , وَقَتْلُ -[658]- النَّفْسِ , وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ , وَقَوْلُ الزُّورِ» عَلَى الْإِجْمَالِ , إِذْ كَانَ قَوْلُهُ: «وَقَوْلُ الزُّورِ» يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ شَتَّى , وَأَنْ يَجْمَعَ جَمِيعَ ذَلِكَ: قَوْلُ الزُّورِ. وَأَمَّا خَبَرُ ابْنُ مَسْعُودٍ الَّذِي حَدَّثَنِي بِهِ الْفِرْيَابِيُّ عَلَى مَا ذَكَرْتُ , فَإِنَّهُ عِنْدِي غَلَطٌ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ , لِأَنَّ الْأَخْبَارَ الْمُتَظَاهِرَةَ مِنَ الْأَوْجُهِ الصَّحِيحَةِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ الرِّوَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا الزُّهْرِيُّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ , وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي حَدِيثِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْكَبَائِرِ؛ فَنَقْلُهُمْ مَا نَقَلُوا مِنْ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ نَقْلِ الْفِرْيَابِيِّ. فَمَنِ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ مُجْتَنِبَهَا تَكْفِيرَ مَا عَدَاهَا مِنْ سَيِّئَاتِهِ , وَإِدْخَالَهُ مَدْخَلًا كَرِيمًا , وَأَدَّى فَرَائِضَهُ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ , وَجَدَ اللَّهَ لِمَا وَعَدَهُ مِنْ وَعْدٍ مُنْجِزًا , وَعَلَى الْوَفَاءِ بِهِ دَائِبًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: نُكَفِّرْ عَنْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاجْتِنَابِكُمْ كَبَائِرَ مَا يَنْهَاكُمْ عَنْهُ رَبُّكُمْ صَغَائِرَ سَيِّئَاتِكُمْ , يَعْنِي: صَغَائِرَ ذُنُوبِكُمْ. كَمَا:

الصفحة 657