كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 6)

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ , قَالَ: ثنا يَزِيدُ , قَالَ: ثنا سَعِيدٌ , عَنْ قَتَادَةَ , قَوْلُهُ: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: 31] الْآيَةُ , إِنَّمَا وَعَدَ اللَّهُ الْمَغْفِرَةَ لِمَنِ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ , وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§اجْتَنِبُوا الْكَبَائِرَ , وَسَدِّدُوا , وَأَبْشِرُوا»
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى , قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ , عَنْ رَجُلٍ , عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , قَالَ: فِي خَمْسِ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ لَهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا: {§إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ} [النساء: 40] ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110] وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 152] "
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ , قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ , قَالَ: ثني أَبُو النَّضْرِ , عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ , عَنْ قَتَادَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: ثَمَانُ آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ , هِيَ خَيْرٌ لِهَذِهِ -[661]- الْأُمَّةِ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ , أُولَاهُنَّ: {§يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبُ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء: 26] وَالثَّانِيَةُ: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء: 27] وَالثَّالِثَةُ: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28] ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ سَوَاءً , وَزَادَ فِيهِ: ثُمَّ أَقْبَلَ يُفَسِّرْهَا فِي آخِرِ الْآيَةِ: {وَكَانَ اللَّهُ} [النساء: 96] لِلَّذِينَ عَمِلُوا الذُّنُوبَ {غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 23] وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: 31] فَإِنَّ الْقُرَّاءَ اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَتِهِ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (وَنُدْخِلْكُمْ مَدْخَلًا كَرِيمًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ , وَكَذَلِكَ الَّذِي فِي الْحَجِّ: (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مَدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ) فَمَعْنَى: (وَنُدْخِلْكُمْ مَدْخَلًا) فَيَدْخُلُونَ دُخُولًا كَرِيمًا. وَقَدْ يُحْتَمَلُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَرَأَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِي الْمَدْخَلِ: الْمَكَانُ وَالْمَوْضِعُ , لِأَنَّ الْعَرَبَ رُبَّمَا فَتَحَتِ الْمِيمَ مِنْ ذَلِكَ بِهَذَا الْمَعْنَى , كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز]
بِمَصْبَحِ الْحَمْدِ وَحَيْثُ يُمْسِ
وَقَدْ أَنْشَدَنِي بَعْضُهُمْ سَمَاعًا مِنَ الْعَرَبِ:
[البحر البسيط]
الْحَمْدُ لِلَّهِ مَمْسَانَا وَمَصْبَحَنَا ... بِالْخَيْرِ صَبَّحْنَا رَبِّي وَمَسَّانَا
وَأَنْشَدَنِي آخَرُ غَيْرُهُ:
-[662]- الْحَمْدُ لِلَّهِ مُمْسَانَا وَمُصْبَحَنَا
لِأَنَّهُ مِنْ أَصْبَحَ وَأَمْسَى. وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ فِيمَا كَانَ مِنَ الْفِعْلِ بِنَاؤُهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ تَضُمُّ مِيمَهُ فِي مِثْلِ هَذَا , فَتَقُولُ: دَحْرَجْتُهُ مُدَحْرَجًا فَهُوَ مُدَحَرَجٌ , ثُمَّ تَحْمِلُ مَا جَاءَ عَلَى أَفْعَلَ يُفْعِلُ عَلَى ذَلِكَ , لِأَنَّ يُفْعِلُ مِنْ يُدْخِلُ , وَإِنْ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةٍ , فَإِنَّ أَصْلَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى يُؤَفْعَلُ: يُؤَدْخَلُ , وَيُؤَخْرَجُ , فَهُوَ نَظِيرُ يُدَحْرِجُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ: {مُدْخَلًا} [النساء: 31] بِضَمِّ الْمِيمِ , يَعْنِي: وَنُدْخِلْكُمْ إِدْخَالًا كَرِيمًا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ: {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: 31] بِضَمِّ الْمِيمِ لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ مَا كَانَ مِنَ الْفِعْلِ بِنَاؤُهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ فِي فَعَلَ فَالْمَصْدَرُ مِنْهُ مُفْعَلٌ , وَأَنَّ أَدْخَلَ وَدَحْرَجَ فَعَلَ مِنْهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ , فَالْمُدْخَلُ مَصْدَرُهُ أَوْلَى مِنْ مُفْعَلِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ أَفْصَحُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِي مَصَادِرَ مَا جَاءَ عَلَى أَفْعَلَ , كَمَا يُقَالَ: أَقَامَ بِمَكَانٍ فَطَابَ لَهُ الْمَقَامُ , إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْإِقَامَةُ , -[663]- وَقَامَ فِي مَوْضِعِهِ فَهُوَ فِي مَقَامٍ وَاسِعٍ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} [الدخان: 51] مِنْ قَامَ يَقُومُ , وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ الْإِقَامَةُ لَقُرِئَ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مُقَامٍ أَمِينٍ كَمَا قُرِئَ: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} [الإسراء: 80] بِمَعْنَى الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ , وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ , أَنَّهُ قَرَأَ: مَدْخَلَ صِدْقٍ , وَلَا مَخْرَجَ صِدْقٍ , بِفَتْحِ الْمِيمِ. وَأَمَّا الْمُدْخَلُ الْكَرِيمُ: فَهُوَ الطَّيِّبُ الْحَسَنُ , الْمُكَرَّمُ بِنَفْيِ الْآفَاتِ وَالْعَاهَاتِ عَنْهُ , وَبِارْتِفَاعِ الْهُمُومِ وَالْأَحْزَانِ وَدُخُولِ الْكَدَرِ فِي عَيْشِ مَنْ دَخَلَهُ , فَلِذَلِكَ سَمَّاهُ اللَّهُ كَرِيمًا. كَمَا:

الصفحة 660