كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 6)
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ , قَالَ: ثنا شَرِيكٌ , عَنْ سَالِمٍ , عَنْ سَعِيدٍ: (§وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) قَالَ: هُمُ الْحُلَفَاءُ " حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ , قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ , عَنْ خُصَيْفٍ , عَنْ عِكْرِمَةَ , مِثْلَهُ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ , قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ , قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ , عَنِ السُّدِّيِّ: (§وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) أَمَّا عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَالْحِلْفُ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَنْزِلُ فِي الْقَوْمِ فَيُحَالِفُونَهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمْ يُوَاسُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ , فَإِذَا كَانَ لَهُمْ حَقٌّ أَوْ قِتَالٌ كَانَ مِثْلَهُمْ , وَإِذَا كَانَ لَهُ حَقٌّ أَوْ نُصْرَةٌ خَذَلُوهُ؛ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ سَأَلُوا عَنْهُ , وَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُشَدِّدَهُ , وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمْ يَزِدِ الْإِسْلَامُ الْحُلَفَاءَ إِلَّا شِدَّةً» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَبَنُّونَ أَبْنَاءَ غَيْرِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةَ , فَأُمِرُوا فِي الْإِسْلَامِ أَنْ يُوصُوا لَهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ وَصِيَّةً
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ , قَالَ: ثني اللَّيْثُ , عَنْ عَقِيلٍ , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ اللَّهَ , قَالَ: (§وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) قَالَ -[682]- سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَبَنُّونَ رِجَالًا غَيْرَ أَبْنَائِهِمْ وَيُوَرِّثُونَهُمْ , فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ , فَجَعَلَ لَهُمْ نَصِيبًا فِي الْوَصِيَّةِ , وَرَدَّ الْمِيرَاثَ إِلَى الْمَوَالِي فِي ذَوِي الرَّحِمِ وَالْعَصَبَةِ , وَأَبَى اللَّهُ لِلْمُدَّعِينَ مِيرَاثًا مِمَّنِ ادَّعَاهُمْ وَتَبَنَّاهُمْ , وَلَكِنَّ اللَّهَ جَعَلَ لَهُمْ نَصِيبًا فِي الْوَصِيَّةِ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ عَقَدْتُ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 33] قَوْلُ مَنْ قَالَ: وَالَّذِينَ عَقَدْتُ أَيْمَانُكُمْ عَلَى الْمُحَالَفَةِ , وَهُمُ الْحُلَفَاءُ , وَذَلِكَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَيَّامِ الْعَرَبِ وَأَخْبَارِهَا أَنَّ عَقْدَ الْحِلْفِ بَيْنَهَا كَانَ يَكُونُ بِالْأَيمَانِ وَالْعُهوُدِ وَالْمَوَاثِيقِ , عَلَى نَحْوِ مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنَ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ. فَإِذْ كَانَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا وَصَفَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُهُمْ مَا عَقَدُوهُ بِهَا بَيْنَهُمْ دُونَ مَنْ لَمْ يَعْقِدْ عَقَدَ مَا بَيْنَهُمْ أَيْمَانُهُمْ , وَكَانَتْ مُؤَاخَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مَنْ آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ , لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ , وَكَذَلِكَ التَّبَنِّي كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ الْحِلْفُ دُونَ غَيْرِهِ لِمَا وَصَفْنَا مِنَ الْعِلَّةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] فَإِنَّ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِهِ , مَا عَلَيْهِ الْجَمِيعُ مُجْمِعُونَ مِنْ حُكْمِهِ الثَّابِتِ , وَذَلِكَ إِيتَاءُ أَهْلِ الْحِلْفِ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ دُونَ الْإِسْلَامِ بَعْضَهُمْ بَعْضًا أَنْصِبَاءَهُمْ مِنَ النُّصْرَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَالرَّأْيِ دُونَ الْمِيرَاثِ
الصفحة 681