كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 6)

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى , قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ , عَنْ رَجُلٍ , عَنْ أَبِي صَالِحٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي قَوْلِهِ: {§وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: 34] قَالَ: «يَهْجُرُهَا بِلِسَانِهِ , وَيُغَلِّظُ لَهَا بِالْقَوْلِ , وَلَا يَدَعُ جِمَاعَهَا»
وَبِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ , عَنْ خُصَيْفٍ , عَنْ عِكْرِمَةَ , قَالَ: «§إِنَّمَا الْهِجْرَانُ بِالْمَنْطِقِ أَنْ يُغَلِّظَ لَهَا , وَلَيْسَ بِالْجِمَاعِ»
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ , قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ , عَنْ أَبِي الضُّحَى , فِي قَوْلِهِ: {§وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: 34] قَالَ: «يَهْجُرُ بِالْقَوْلِ , وَلَا يَهْجُرُ مُضَاجَعَتَهَا حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى مَا يُرِيدُ»
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى , قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ , قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ , عَنْ رَجُلٍ , عَنِ الْحَسَنِ , قَالَ: «§لَا يَهْجُرُهَا إِلَّا فِي الْمَبِيتِ فِي الْمَضْجَعِ , لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْجُرَ فِي كَلَامٍ وَلَا شَيْءٍ إِلَّا فِي الْفِرَاشِ»
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ , قَالَ: ثني يَعْلَى , عَنْ سُفْيَانَ , فِي قَوْلِهِ: {§-[705]- وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: 34] قَالَ: " فِي مُجَامَعَتِهَا , وَلَكِنْ يَقُولُ لَهَا: تَعَالِي وَافْعَلِي. كَلَامًا فِيهِ غِلْظَةٌ , فَإِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ فَلَا يُكَلِّفْهَا أَنْ تُحِبَّهُ , فَإِنَّ قَلْبَهَا لَيْسَ فِي يَدَيْهَا " وَلَا مَعْنَى لِلْهَجْرِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِلَّا عَلَى أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا هَجْرُ الرَّجُلِ كَلَامَ الرَّجُلِ وَحَدِيثَهُ , وَذَلِكَ رَفْضُهُ وَتَرْكُهُ , يُقَالَ مِنْهُ: هَجَرَ فُلَانٌ أَهْلَهُ يَهْجُرُهَا هَجْرًا وَهُجْرَانًا. وَالْآخَرُ: الْإِكْثَارُ مِنَ الْكَلَامِ بِتَرْدِيدٍ كَهَيْئَةِ كَلَامِ الْهَازِئِ , يُقَالَ مِنْهُ: هَجَرَ فُلَانٌ فِي كَلَامِهِ يَهْجُرُ هَجْرًا إِذَا هَذَى وَمَدَّدَ الْكَلِمَةَ , وَمَا زَالَتْ تِلْكَ هِجِّيرَاهُ وَإِهْجِيرَاهُ , وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
[البحر البسيط]
رَمَى فَأَخْطَأَ وَالْأَقْدَارُ غَالِبَةٌ فَانْصَعْنَ ... وَالْوَيْلُ هِجِّيرَاهُ وَالْحَرْبُ
وَالثَّالِثُ: هَجَرَ الْبَعِيرُ إِذَا رَبَطَهُ صَاحِبُهُ بِالْهِجَارِ , وَهُوَ حَبْلٌ يُرْبَطُ فِي حَقْوَيْهَا وَرُسْغِهَا , وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
[البحر المتقارب]
رَأَتْ هَلَكًا بِنَجَافِ الْغَبِيطِ ... فَكَادَتْ تَجُدُّ لِذَاكَ الْهِجَارَا
فَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي فِيهِ الْغِلْظَةُ وَالْأَذَى فَإِنَّمَا هُوَ الْإِهْجَارُ , وَيُقَالَ مِنْهُ: أَهْجَرَ فُلَانٌ -[706]- فِي مَنْطِقِهِ: إِذَا قَالَ الْهَجْرَ وَهُوَ الْفُحْشُ مِنَ الْكَلَامِ , يَهْجُرُ إِهْجَارًا وَهَجْرًا. فَإِذْ كَانَ لَا وَجْهَ لِلْهَجْرِ فِي الْكَلَامِ إِلَّا أَحَدَ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةَ , وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ الْمَخُوفُ نُشُوزُهَا إِنَّمَا أُمِرَ زَوْجُهَا بِوَعْظِهَا لِتُنِيبَ إِلَى طَاعَتِهِ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ مِنْ مُوَافَاتِهِ عِنْدَ دُعَائِهِ إِيَّاهَا إِلَى فِرَاشِهِ , فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تَكُونَ عِظَتُهُ لِذَلِكَ , ثُمَّ تَصِيرُ الْمَرْأَةُ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ وَطَاعَةِ زَوْجِهَا فِي ذَلِكَ , ثُمَّ يَكُونُ الزَّوْجُ مَأْمُورًا بِهَجْرِهَا فِي الْأَمْرِ الَّذِي كَانَتْ عِظَتُهُ إِيَّاهَا عَلَيْهِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بَطَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: 34] وَاهْجُرُوا جِمَاعَهُنَّ. أَوْ يَكُونُ إِذْ بَطَلَ هَذَا الْمَعْنَى. بِمَعْنَى: وَاهْجُرُوا كَلَامَهُنَّ بِسَبَبِ هَجْرِهِنَّ مَضَاجِعَكُمْ , وَذَلِكَ أَيْضًا لَا وَجْهُ لَهُ مَفْهُومٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ أَخْبَرَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ. عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ حَلَالًا لَمْ يَكُنْ لِهَجْرِهَا فِي الْكَلَامِ مَعْنَى مَفْهُومٌ , لِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ عَنْهُ مُنْصَرِفَةً وَعَلَيْهِ نَاشِزًا فَمِنْ سُرُورِهَا أَنْ لَا يُكَلِّمُهَا وَلَا يَرَاهَا وَلَا تَرَاهُ , فَكَيْفَ يُؤْمَرُ الرَّجُلُ فِي حَالِ بُغْضِ امْرَأَتِهِ إِيَّاهُ وَانْصِرَافِهَا عَنْهُ بِتَرْكِ مَا فِي تَرْكِهِ سُرُورُهَا مِنْ تَرْكِ جِمَاعِهَا وَمُجَاذَبَتِهَا وَتَكْلِيمِهَا , وَهُوَ يُؤْمَرُ بِضَرْبِهَا لِتَرْتَدِعَ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِ طَاعَتِهِ إِذَا دَعَاهَا إِلَى فِرَاشِهِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُلْزِمُهَا طَاعَتُهُ فِيهِ؟ أَوْ يَكُونُ إِذْ فَسَدَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ يَكُونُ مَعْنَاهُ: وَاهْجُرُوا فِي قَوْلِكُمْ لَهُمْ , -[707]- بِمَعْنَى: رُدُّوا عَلَيْهِنَّ كَلَامَكُمْ إِذَا كَلَّمْتُمُوهُنَّ بِالتَّغْلِيظِ لَهُنَّ , فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ , فَلَا وَجْهَ لِإِعْمَالِ الْهَجْرِ فِي كِنَايَةِ أَسْمَاءِ النِّسَاءِ النَّاشِزَاتِ , أَعْنِي فِي الْهَاءِ وَالنُّونِ مِنْ قَوْلِهِ {وَاهْجُرُوهُنَّ} [النساء: 34] لِأَنَّهُ إِذَا أُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى , كَانَ الْفِعْلُ غَيْرَ وَاقِعٍ , إِنَّمَا يُقَالَ: هَجَرَ فُلَانٌ فِي كَلَامِهِ وَلَا يُقَالَ: هَجَرَ فُلَانٌ فُلَانًا فَإِذَا كَانَ فِي كُلِّ هَذِهِ الْمَعَانِي مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْخَلَلِ اللَّاحِقِ , فَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: {وَاهْجُرُوهُنَّ} [النساء: 34] مُوَجَّهًا مَعْنَاهُ إِلَى مَعْنَى الرَّبْطِ بِالْهِجَارِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ لِلْبَعِيرِ إِذَا رَبَطَهُ صَاحِبُهُ بِحَبْلٍ عَلَى مَا وَصَفْنَا: هَجَرَهُ فَهُوَ يَهْجُرُهُ هَجْرًا. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ كَانَ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ , فَعِظُوهُنَّ فِي نُشُوزِهِنَّ عَلَيْكُمْ , فَإِنِ اتَّعَظْنَ فَلَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ , وَإِنَّ أَبَيْنَ الْأَوْبَةِ مِنْ نُشُوزِهِنَّ فَاسْتَوْثِقُوا مِنْهُنَّ رِبَاطًا فِي مَضَاجِعِهِنَّ , يَعْنِي فِي مَنَازِلِهِنَّ وَبُيُوتِهِنَّ الَّتِي يَضْطَجِعْنَ بِهَا وَيُضَاجِعْنَ فِيهَا أَزْوَاجَهُنَّ كَمَا:

الصفحة 704