كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 6)

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ , قَالَ: ثنا يَزِيدُ , قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ , عَنِ الضَّحَّاكِ , فِي قَوْلِهِ: {§وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] يَكُونَانِ عِدْلَيْنِ عَلَيْهِمَا وَشَاهِدَيْنِ. وَذَلِكَ إِذَا تَدَارَأَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَتَنَازَعَا إِلَى السُّلْطَانِ , جَعَلَ عَلَيْهِمَا حَكَمَيْنِ: حَكَمًا مِنْ أَهْلِ الرَّجُلِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِ الْمَرْأَةِ , يَكُونَانِ أَمِينَيْنِ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا. ويَنْظُرَانِ مِنْ أَيِّهِمَا يَكُونُ الْفَسَادُ , فَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ أُجْبِرَتْ عَلَى طَاعَةِ زَوْجِهَا , وَأُمِرَ أَنْ يَتَّقِي اللَّهَ وَيُحْسِنَ صُحْبَتَهَا وَيُنْفِقَ عَلَيْهَا بِقَدْرِ مَا آتَاهُ اللَّهُ؛ إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ. وَإِنْ كَانَتِ الْإِسَاءَةُ مِنْ قِبَلِ الرَّجُلِ أُمِرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهَا , فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قِيلَ لَهُ: أَعْطِهَا حَقَّهَا , وَخَلِّ سَبِيلَهَا , وَإِنَّمَا يَلِي ذَلِكَ مِنْهُمَا السُّلْطَانُ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي قَوْلِهِ: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] أَنَّ اللَّهَ خَاطَبَ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ , وَأَمَرَهُمْ بِبَعْثَةِ الْحَكَمَيْنِ عِنْدَ خَوْفِ الشِّقَاقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِلنَّظَرِ فِي أَمْرِهِمَا , وَلَمْ يُخَصِّصْ بِالْأَمْرِ بِذَلِكَ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ بَعْثَةَ الْحَكَمَيْنِ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ لِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ وَغَيْرِ السُّلْطَانِ , الَّذِي هُوَ سَائِسٌ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ , أَوْ مَنْ أَقَامَهُ فِي ذَلِكَ مَقَامَ نَفْسِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الزَّوْجَيْنِ وَالسُّلْطَانِ , وَمَنِ الْمَأْمُورُ بِالْبَعْثَةِ فِي ذَلِكَ: الزَّوْجَانِ , أَوِ السُّلْطَانُ؟ وَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِهِ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ , وَلَا أَثَرَ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْأُمَّةُ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ وَإِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا , فَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا مِنَ الْآيَةِ مَا أَجْمَعَ الْجَمِيعُ عَلَى -[727]- أَنَّهُ مَخْصُوصٌ مِنْهَا. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجَانِ وَالسُّلْطَانُ مِمَّنْ قَدْ شَمَلَهُ حُكْمُ الْآيَةِ , وَالْأَمْرُ بِقَوْلِهِ: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] إِذْ كَانَ مُخْتَلِفًا بَيْنَهُمَا هَلْ هُمَا مَعْنِيَّانِ بِالْأَمْرِ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَكَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ قَدْ عَمَّهُمَا؛ فَالْوَاجِبُ مِنَ الْقَوْلِ إِذْ كَانَ صَحِيحًا مَا وَصَفْنَا أَنْ يُقَالَ: إِنْ بَعَثَ الزَّوْجَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَكَمًا مِنْ قِبَلِهِ , لِيَنْظُرَ فِي أَمْرِهِمَا , وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّنْ بَعَثَهُ مِنْ قِبَلِهِ فِي ذَلِكَ طَاقَةٌ عَلَى صَاحِبِهِ وَلِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ , فَتَوْكِيلُهُ بِذَلِكَ مَنْ وَكَّلَ جَائِزٌ لَهُ وَعَلَيْهِ , وَإِنْ وَكَّلَهُ بِبَعْضٍ وَلَمْ يُوَكِّلْهُ بِالْجَمِيعِ , كَانَ مَا فَعَلَهُ الْحَكَمُ مِمَّا وَكَّلَهُ بِهِ صَاحِبُهُ مَاضِيًا جَائِزًا عَلَى مَا وَكَّلَهُ بِهِ وَذَلِكَ أَنْ يُوَكِّلَهُ أَحَدُهُمَا بِمَا لَهُ دُونَ مَا عَلَيْهِ , أَوْ لَمْ يُوَكِّلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ بِمَا لَهُ وَعَلَيْهِ , أَوْ بِمَا لَهُ , أَوْ بِمَا عَلَيْهِ , فَلَيْسَ لِلْحَكَمَيْنِ كِلَيْهِمَا إِلَّا مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ دُونَ مَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا. وَإِنْ لَمْ يُوَكِّلْهُمَا وَاحِدًا مِنْهَا بِشَيْءٍ , وَإِنَّمَا بَعَثَاهُمَا لِلنَّظَرِ لِيَعْرِفَا الظَّالِمَ مِنَ الْمَظْلُومِ مِنْهُمَا لَيَشْهَدَا عَلَيْهِمَا عِنْدَ السُّلْطَانِ إِنِ احْتَاجَا إِلَى شَهَادَتِهِمَا , لَمْ يَكُنْ لَهُمَا أَنْ يُحْدِثَا بَيْنَهُمَا شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , وَلَمْ يَلْزَمِ الزَّوْجَيْنِ وَلَا -[728]- وَاحِدًا مِنْهُمَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا مَعْنَى الْحَكَمَيْنِ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتَ؟ قِيلَ: قَدِ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى الْحَكَمِ: النَّظَرُ الْعَدْلُ , كَمَا قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ فِي الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ , الَّذِي:

الصفحة 726