كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 6)

آذَنَتْ بِأَنَّ الْكَلَامَ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهَا، وَأَنَّ بَعْدَهَا خَبَرًا مَطْلُوبًا لِلَّامِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: «وَلِيَعْلَمَ» ، مُتَعَلِّقَةً بِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [آل عمران: 140] مَعْرِفَةً، وَأَنْتَ لَا تَسْتَجِيزُ فِي الْكَلَامِ: قَدْ سَأَلْتُ فَعَلِمْتُ عَبْدَ اللَّهِ، وَأَنْتَ تُرِيدُ: عَلِمْتُ شَخْصَهُ، إِلَّا أَنْ تُرِيدَ: عَلِمْتُ صِفَتَهُ وَمَا هُوَ؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا جَازَ مَعَ الَّذِينَ؛ لِأَنَّ فِي «الَّذِينَ» تَأْوِيلَ «مَنْ» وَ «أَيٍّ» ، وَكَذَلِكَ جَائِزٌ مِثْلُهُ فِي الْأَلْفِ وَاللَّامِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 3] ؛ لِأَنَّ فِي الْأَلْفِ وَاللَّامِ مِنْ تَأْوِيلِ «أَيٍّ» ، وَ «مَنْ» مِثْلَ الَّذِي فِي «الَّذِي» ، وَلَوْ جُعِلَ مَعَ الِاسْمِ الْمَعْرِفَةِ اسْمٌ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى «أَيِّ» جَازَ، كَمَا يُقَالُ: سَأَلْتُ لِأَعْلَمَ عَبْدَ اللَّهِ مِنْ عَمْرٍو، وَيُرَادُ بِذَلِكَ: لِأَعْرِفَ هَذَا مِنْ هَذَا. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ مِنَ الَّذِينَ نَافَقُوا مِنْكُمْ، نُدَاوِلُ بَيْنَ النَّاسِ، فَاسْتَغْنَى بِقَوْلِهِ: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [آل عمران: 140] مِنْكُمْ , عَنْ ذِكْرِ قَوْلِهِ: {الَّذِينَ نَافَقُوا} [آل عمران: 167] لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، إِذْ كَانَ فِي قَوْلِهِ: {الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 14] تَأْوِيلُ «أَيٍّ» عَلَى مَا وَصَفْنَا فَكَأَنَّهُ قِيلَ: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ أَيُّكُمُ الْمُؤْمِنُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى} [الكهف: 12] غَيْرَ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ وَالَّذِي وَمَنْ، إِذَا وُضِعَتْ مَعَ الْعِلْمِ مَوْضِعَ أَيٍّ نُصِبَتْ بِوُقُوعِ الْعِلْمِ

الصفحة 86