كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 6)
رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [آل عمران: 143] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ} [آل عمران: 143] وَلَقَدْ كُنْتُمْ يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ يَعْنِي أَسْبَابَ الْمَوْتِ وَذَلِكَ الْقِتَالَ؛ {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ} [آل عمران: 143] فَقَدْ رَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَهُ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ {رَأَيْتُمُوهُ} [آل عمران: 143] ، عَائِدَةٌ عَلَى الْمَوْتِ، وَمَعْنَى: {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [البقرة: 50] يَعْنِي: قَدْ رَأَيْتُمُوهُ بِمَرْأًى مِنْكُمْ وَمَنْظَرٍ: أَيْ بِقُرْبٍ مِنْكُمْ، وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَزْعُمُ أَنَّهُ قِيلَ: {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [البقرة: 50] عَلَى وَجْهِ التَّوْكِيدِ لِلْكَلَامِ، كَمَا يُقَالُ: رَأَيْتُهُ عِيَانًا، وَرَأَيْتُهُ بِعَيْنَيَّ، وَسَمِعْتُهُ بِأُذُنَيَّ؛ وَإِنَّمَا قِيلَ: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ} [آل عمران: 143] ، لِأَنَّ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا، كَانُوا يَتَمَنَّوْنَ قَبْلَ أُحُدٍ يَوْمًا مِثْلَ يَوْمِ بَدْرٍ، فَيُبْلُوا اللَّهَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ خَيْرًا، وَيَنَالُوا مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَ مَا نَالَ أَهْلُ بَدْرٍ؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ فَرَّ بَعْضُهُمْ وَصَبَرَ بَعْضُهُمْ، حَتَّى أَوْفَى بِمَا كَانَ عَاهَدَ اللَّهَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَعَاتَبَ اللَّهُ مَنْ فَرَّ مِنْهُمْ، فَقَالَ: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ} [آل عمران: 143] الْآيَةَ، وَأَثْنَى عَلَى الصَّابِرِينَ مِنْهُمْ وَالْمُوفِينَ بِعَهْدِهِمْ
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي -[94]- نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {§وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [آل عمران: 143] قَالَ: «غَابَ رِجَالٌ عَنْ بَدْرٍ، فَكَانُوا يَتَمَنَّوْنَ مِثْلَ يَوْمِ بَدْرٍ أَنْ يَلْقَوْهُ، فَيُصِيبُوا مِنَ الْخَيْرِ وَالْأَجْرِ مِثْلَ مَا أَصَابَ أَهْلُ بَدْرٍ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَلَّى مَنْ وَلَّى، فَعَاتَبَهُمُ اللَّهُ أَوْ فَعَابَهُمْ، أَوْ فَعَتَبَهُمْ عَلَى ذَلِكَ» شَكَّ أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَعَاتَبَهُمُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَشُكَّ
الصفحة 93