كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 7)
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَالَّذِينَ مَلَكْتُمُوهُمْ مِنْ أَرِقَّائِكُمْ. فأَضَافَ الْمِلْكَ إِلَى الْيَمِينِ , كَمَا يُقَالَ: تَكَلَّمَ فُوكَ , وَمَشَتْ رِجْلُكَ , وَبَطَشَتْ يَدُكَ , بِمَعْنَى: تَكَلَّمْتَ , وَمَشَيْتَ , وَبَطَشْتَ. غَيْرَ أَنَّ مَا وَصَفْتَ بِهِ كُلَّ عُضْو مِنْ ذَلِكَ , فَإِنَّمَا أُضِيفَ إِلَيْهِ مَا وَصَفْتَ بِهِ , لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَكُونُ فِي الْمُتَعَارَفِ فِي النَّاسِ دُونَ سَائِرِ جَوَارِحِ الْجَسَدِ , فَكَانَ مَعْلُومًا بِوَصْفِ ذَلِكَ الْعُضْوِ بِمَا وُصِفَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنَ الْكَلَامِ , فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36] لِأَنَّ مَمَالِيكَ أَحَدِنَا تَحْتَ يَدِهِ , إِنَّمَا يَطْعَمُ مَا تُنَاوِلُهُ أَيمَانُنَا وَيَكْتَسِي مَا تَكْسُوهُ وَتَصْرِفُهُ فِيمَا أَحَبَّ صَرْفَهُ فِيهِ بِهَا. فأُضِيفَ مِلْكُهُمْ إِلَى الْأَيمَانِ لِذَلِكَ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ , قَالَ: ثنا شِبْلٌ , عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ: {§وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36] مِمَّا خَوَّلَكَ اللَّهُ , كُلُّ هَذَا أَوْصَى اللَّهُ بِهِ " وَإِنَّمَا يَعْنِي مُجَاهِدٌ بِقَوْلِهِ: كُلُّ هَذَا أَوْصَى اللَّهُ بِهِ , الْوَالِدَيْنِ وَذَا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْجَارَ ذَا الْقُرْبَى , وَالْجَارَ الْجُنُبَ , وَالصَّاحِبَ بِالْجَنْبِ , وَابْنِ السَّبِيلِ , فَأَوْصَى رَبُّنَا جَلَّ جَلَالُهُ بِجَمِيعِ هَؤُلَاءِ عِبَادَهُ إِحْسَانًا إِلَيْهِمْ , وَأَمَرَ خَلْقَهُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى -[20]- وَصِيَّتِهِ فِيهِمْ , فَحَقٌّ عَلَى عِبَادِهِ حِفْظُ وَصِيَّةِ اللَّهِ فِيهِمْ ثُمَّ حِفْظُ وَصِيَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الصفحة 19