كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 7)

جَوْرِكُمْ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِنَّ , وَفِي تَرْخِيصِهِ لَكُمُ الصُّلْحَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُنَّ , بِصَفْحِهِنَّ عَنْ حُقُوقِهِنَّ لَكُمْ مِنَ الْقَسْمِ عَلَى أَنْ يُطَلَّقْنَ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كَلَا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} [النساء: 130] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَإِنْ أَبَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي قَدْ نَشَزَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا , أَوْ أَعْرَضَ عَنْهَا بِالْمَيْلِ مِنْهُ إِلَى ضَرَّتِهَا لِجَمَالِهَا أَوْ شَبَابِهَا , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَمِيلُ النُّفُوسُ بِهِ إِلَيْهَا الصُّلْحُ , لِصَفْحِهَا لِزَوْجِهَا عَنْ يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا , وَطَلَبَتْ حَقَّهَا مِنْهُ مِنَ الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ وَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ لَهَا عَلَيْهِ , وَأَبَى الزَّوْجُ الْأَخْذَ عَلَيْهَا بِالْإِحْسَانِ الَّذِي نَدَبَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 128] وَإِلْحَاقُهَا فِي الْقَسْمِ لَهَا وَالنَّفَقَةِ وَالْعِشْرَةِ بِالَّتِي هُوَ إِلَيْهَا مَائِلٌ , فَتَفَرَّقَا بِطَلَاقِ الزَّوَاجِ إِيَّاهَا {يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] يَقُولُ: " يُغْنِ اللَّهُ الزَّوْجَ وَالْمَرْأَةَ الْمُطَلَّقَةَ مِنْ سَعَةِ فَضْلِهِ , أَمَّا هَذِهِ فَبِزَوْجٍ هُوَ أَصْلَحُ لَهَا مِنَ الْمُطَلِّقِ الْأَوَّلِ , أَوْ بِرِزْقٍ وَاسِعٍ وَعِصْمَةٍ؛ وَأَمَّا هَذَا فَبِرِزْقٍ وَاسِعٍ وَزَوْجَةٍ هِيَ أَصْلَحُ لَهُ مِنَ الْمُطَلَّقَةِ أَوْ عِفَّةٍ. {وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا} [النساء: 130] يَعْنِي: وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا لَهُمَا فِي رِزْقِهِ إِيَّاهُمَا وَغَيْرَهُمَا مِنْ خَلْقِهِ. {حَكِيمًا} [النساء: 11] فِيمَا قَضَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مِنَ الْفُرْقَةِ وَالطَّلَاقِ , وَسَائِرِ الْمَعَانِي الَّتِي عَرَفْنَاهَا مِنَ الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَغَيْرِهَا وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ وَتَدْبِيرِهِ وَقَضَايَاهُ فِي خَلْقِهِ.

الصفحة 577