كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 7)

هُمْ عَلَيْهِ مُنْطَوُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ فِيمَا يَكْتُمُونَهُ وَلَا يُبْدُونَهُ لَهُمْ مِنَ الْغِشِّ وَالْغِلِّ الَّذِي فِي صُدُورِهِمْ.
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135] وَهَذَا تَقَدَّمٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ أَنْ يَفْعَلُوا فِعْلَ الَّذِينَ سَعَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أْمْرِ بَنِي أُبَيْرِقٍ , أَنْ يَقُومَ بِالْعُذْرِ لَهُمْ فِي أَصْحَابِهِ وَذَبِّهِمْ عَنْهُمْ وَتَحْسِينِهِمْ أَمْرَهُمْ بِأَنَّهُمْ أَهْلُ فَاقَةٍ وَفَقْرٍ؛ يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] يَقُولُهُ: لِيَكُنْ مِنْ أَخْلَاقِكُمْ وَصِفَاتِكُمُ الْقِيَامُ بِالْقِسْطِ , يَعْنِي بِالْعَدْلِ. {شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135] وَالشُّهَدَاءُ: جَمْعُ شَهِيدٍ , وَنُصِبَتِ الشُّهَدَاءُ عَلَى الْقَطْعِ مِمَّا فِي قَوْلِهِ: {قَوَّامِينَ} [النساء: 135] , مِنْ ذِكْرِ الَّذِينَ آمَنُوا , وَمَعْنَاهُ: قُومُوا بِالْقِسْطِ لِلَّهِ عِنْدَ شَهَادَتِكُمْ , أَوْ حِينَ شَهَادَتِكُمْ. {وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135] يَقُولُ: وَلَوْ كَانَتْ شَهَادَتُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ , أَوْ عَلَى وَالِدَيْكُمْ أَوْ أَقْرَبِيكُمْ , فَقُومُوا فِيهَا بِالْقِسْطِ وَالْعَدْلِ , وَأَقِيمُوهَا عَلَى صِحَّتِهَا بِأَنْ تَقُولُوا فِيهَا الْحَقَّ , وَلَا تَمِيلُوا فِيهَا لِغَنِيٍّ لِغِنَاهُ عَلَى فَقِيرٍ , وَلَا لِفَقِيرٍ لِفَقْرِهِ عَلَى غَنِيٍّ فَتَجُورُوا , فَإِنَّ اللَّهَ الَّذِي سَوَّى بَيْنَ حُكْمِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فِيمَا أَلْزَمَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَدْلِ أَوْلَى بِهِمَا , وَأَحَقُّ مِنْكُمْ , لِأَنَّهُ مَالِكُهُمَا وَأَوْلَى بِهِمَا دُونَكُمْ , فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا فِيهِ مَصْلَحَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ وَفِي غَيْرِهِ مِنَ الْأُمُورِ كُلِّهَا مِنْكُمْ , فَلِذَلِكَ أَمَرَكُمْ

الصفحة 584