كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 7)
بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي الشَّهَادَةِ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا. {فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء: 135] يَقُولُ: " فَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ أَنْفُسِكُمْ فِي الْمَيْلِ فِي شَهَادَتِكُمْ إِذَا قُمْتُمْ بِهَا لِغَنِيٍّ عَلَى فَقِيرٍ أَوْ لِفَقِيرٍ عَلَى غَنِيٍّ إِلَّا أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ فَتَقُولُوا غَيْرَ الْحَقِّ , وَلَكِنْ قُومُوا فِيهِ بِالْقِسْطِ وَأَدُّوا الشَّهَادَةَ عَلَى مَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِأَدَائِهَا بِالْعَدْلِ لِمَنْ شَهِدْتُمْ عَلَيْهِ وَلَهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَقُومُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهِ الشَّاهِدُ بِالْقِسْطِ , وَهَلْ يَشْهَدُ الشَّاهِدُ عَلَى نَفْسِهِ؟ قِيلَ: نَعَمْ , وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ , فَيُقِرَّ لَهُ بِهِ , فَذَلِكَ قِيَامٌ مِنْهُ لَهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ عِنْدِي تَأْدِيبٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَفْعَلُوا مَا فَعَلَهُ الَّذِينَ عَذَرُوا بَنِي أُبَيْرِقٍ فِي سَرِقَتِهِمْ مَا سَرَقُوا وَخِيَانَتِهِمْ مَا خَانُوا مِنْ ذِكْرِ مَا قِيلَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهَادَتِهِمْ لَهُمْ عِنْدَهُ بِالصَّلَاحِ , فَقَالَ لَهُمْ: إِذَا قُمْتُمْ بِالشَّهَادَةِ لِإِنْسَانٍ أَوْ عَلَيْهِ , فَقُومُوا فِيهَا بِالْعَدْلِ وَلَوْ كَانَتْ شَهَادَتُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَآبَائِكُمْ وَأُمَّهَاتِكُمْ وَأَقْرِبَائِكُمْ , فَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ غَنَى مَنْ شَهِدْتُمْ لَهُ أَوْ فَقْرُهُ أَوْ قَرَابَتُهُ وَرَحِمُهُ مِنْكُمْ عَلَى الشَّهَادَةِ لَهُ بِالزُّورِ وَلَا عَلَى تَرْكِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ وَكِتْمَانِهَا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ تَأْدِيبًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُسَيْنٍ , قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ , قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ , عَنِ السُّدِّيِّ , فِي قَوْلِهِ: {§يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135] قَالَ: " -[586]- نَزَلَتْ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاخْتَصَمَ إِلَيْهِ رَجُلَانِ غَنِيُّ وَفَقِيرٌ , وَكَانَ ضِلْعُهُ مَعَ الْفَقِيرِ , يَرَى أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَظْلِمُ الْغَنِيَّ , فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَقُومَ بِالْقِسْطِ فِي الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ , فَقَالَ: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء: 135] الْآيَةُ " وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِنَا إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الشَّهَادَةِ أَمْرًا مِنَ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُسَوُّوا فِي قِيَامِهِمْ بِشَهَادَاتِهِمْ لِمَنْ قَامُوا بِهَا بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ
الصفحة 585