كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 7)
حَدَّثَنِي يُونُسُ , قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ , قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {§يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ , قَالَ: " لَا يَحْمِلُكُ فَقْرُ هَذَا عَلَى أَنْ تَرْحَمَهُ فَلَا تُقِيمَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ , قَالَ: يَقُولُ هَذَا لِلشَّاهِدِ "
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ , قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ , قَالَ: ثنا سَعِيدٌ , عَنْ قَتَادَةَ: {§يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135] الْآيَةُ , هَذَا فِي الشَّهَادَةِ , فَأَقِمِ الشَّهَادَةَ يَا ابْنَ آدَمَ وَلَوْ عَلَى نَفْسِكَ , أَوِ الْوَالِدَيْنِ , أَوْ عَلَى ذَوِي قَرَابَتِكَ , أَوْ أَشْرَافِ قَوْمِكَ , فَإِنَّمَا الشَّهَادَةُ لِلَّهِ وَلَيْسَتْ لِلنَّاسٍ , وَإِنَّ اللَّهَ رَضِيَ الْعَدْلَ لِنَفْسِهِ؛ وَالْإِقْسَاطُ وَالْعَدْلُ مِيزَانُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ , بِهِ يَرُدُّ اللَّهُ مِنَ الشَّدِيدِ عَلَى الضَّعِيفِ , مِنَ الْكَاذِبِ عَلَى الصَّادِقِ , وَمِنَ الْمُبْطِلِ عَلَى الْمُحِقِّ , وَبِالْعَدْلِ يُصَدَّقُ الصَّادِقُ , وَيُكَذَّبُ الْكَاذِبُ , وَيُرَدُّ الْمُعْتَدِي , وَيُوَبِّخُهُ تَعَالَى رَبُّنَا وَتَبَارَكَ , وَبِالْعَدْلِ يَصْلُحُ النَّاسُ. يَا ابْنَ آدَمَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا , فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا , يَقُولُ: أَوْلَى بِغَنِيِّكُمْ وَفَقِيرِكُمْ. قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: يَا رَبِّ -[588]- أَيَّ شَيْءٍ وَضَعْتَ فِي الْأَرْضِ أَقَلَّ؟ قَالَ: «الْعَدْلُ أَقَلُّ مَا وَضَعْتُ فِي الْأَرْضِ , فَلَا يَمْنَعُكَ غِنَى غَنِيٍّ وَلَا فَقْرُ فَقِيرٍ أَنْ تَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا تَعْلَمُ , فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ» . وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: 135] وَقَدْ قِيلَ: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا} [النساء: 135] الْآيَةُ , أُرِيدَ: فَاللَّهُ أَوْلَى بِغِنَى الْغَنِيِّ وَفَقْرِ الْفَقِيرِ , لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ , فَلِذَلِكَ قَالَ {بِهِمَا} [النساء: 135] , وَلَمْ يَقُلْ: بِهِ وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا قِيلَ {بِهِمَا} [النساء: 135] لِأَنَّهُ قَالَ: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا} [النساء: 135] فَلَمْ يَقْصِدَ فَقِيرًا بِعَيْنِهِ وَلَا غَنِيًّا بِعَيْنِهِ , وَهُوَ مَجْهُولٌ , وَإِذَا كَانَ مَجْهُولًا جَازَ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ. وذَكَرَ قَائِلُو هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ: «فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمْ» . وَقَالَ آخَرُونَ: أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَالَ آخَرُونَ: جَازَ تَثْنِيَةُ قَوْلِهِ {بِهِمَا} [النساء: 135] , لِأَنَّهُمَا قَدْ ذُكِرَا كَمَا قِيلَ: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا} [النساء: 12] وَقِيلَ: جَازَ لِأَنَّهُ أَضْمَرَ فِيهِ مَنْ كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنْ يَكُنْ مَنْ خَاصَمَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا , بِمَعْنَى: غَنِيَّيْنِ أَوْ فَقِيرَيْنِ , فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا. وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ {فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء: 135] أَيْ عَنِ الْحَقِّ , فَتَجُورُوا بِتَرْكِ إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ -[589]- بِالْحَقِّ. وَلَوْ وُجِّهَ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: فَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ أَنْفُسِكُمْ هَرَبًا مِنْ أَنْ تَعْدِلُوا عَنِ الْحَقِّ فِي إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ بِالْقِسْطِ كَانَ وَجْهًا. وَقَدْ قِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى لِتَعْدِلُوا , كَمَا يُقَالَ: لَا تَتَّبِعْ هَوَاكَ لِتُرْضِيَ رَبَّكَ , بِمَعْنَى: أَنْهَاكَ عَنْهُ كَمَا تُرْضِي رَبَّكَ بِتَرْكِهِ
الصفحة 587