كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 7)

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءَ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {وَإِنْ تَلْوُوا} [النساء: 135] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ سِوَى الْكُوفَةِ {وَإِنْ تَلْوُوا} [النساء: 135] بِوَاوَيْنِ مِنْ: لَوَانِي الرَّجُلُ حَقِّي , وَالْقَوْمُ يَلْوُونَنِي دَيْنِي , وَذَلِكَ إِذَا مَطَلُوهُ , لَيًّا. وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: وَإِنْ (تَلُوا) بِوَاو وَاحِدَةٍ؛ وَلِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ قَارِئُهَا أَرَادَ هَمْزَ الْوَاوِ لِانْضِمَامِهَا , ثُمَّ أَسْقَطَ الْهَمْزَ , فَصَارَ إِعْرَابُ الْهَمْزِ فِي اللَّامِ إِذْ أَسْقَطَهُ , وَبَقِيَتْ وَاوٌ وَاحِدَةٌ , كَأَنَّهُ أَرَادَ: تَلْوُؤا , ثُمَّ حَذَفَ الْهَمْزَ. وَإِذَا عُنِيَ هَذَا الْوَجْهُ كَانَ مَعْنَاهُ مَعْنَى مَنْ قَرَأَ: {وَإِنْ تَلْوُوا} [النساء: 135] بِوَاوَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ خَالَفَ الْمَعْرُوفَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ , وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاوَ الثَّانِيَةَ مِنْ قَوْلِهِ: {تَلْوُوا} [النساء: 135] وَاوُ جَمْعٍ , وَهِيَ عَلَمٌ لِمَعْنَى , فَلَا يَصِحُّ هَمْزُهَا ثُمَّ حَذْفُهَا بَعْدَ هَمْزِهَا , فَيَبْطُلُ عِلْمُ الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ أُدْخِلَتِ الْوَاوُ الْمَحْذُوفَةُ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ قَارِئُهَا كَذَلِكَ , أَرَادَ: إِنْ تَلُوا , مِنَ الْوَلَايَةِ , فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: وَإِنْ تَلُوا أُمُورَ النَّاسِ , أَوْ تَتْرُكُوا. وَهَذَا مَعْنَى إِذَا وَجَّهَ الْقَارِئُ قِرَاءَتَهُ عَلَى مَا وَصَفْنَا إِلَيْهِ , خَارِجٌ عَنْ مَعَانِي أَهْلِ التَّأْوِيلِ وَمَا وَجَّهَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعُونَ تَأْوِيلَ الْآيَةِ. فَإِذَا كَانَ فَسَادُ ذَلِكَ وَاضِحًا مِنْ كِلَا وَجْهَيْهِ , فَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ غَيْرُهُ أَنْ يُقْرَأَ بِهِ عِنْدَنَا: {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا} [النساء: 135] بِمَعْنَى اللَّيِّ: الَّذِي هُوَ مَطْلٌ , فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَإِنْ تَدْفَعُوا الْقِيَامَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا لِمَنْ لَزِمَكُمُ

الصفحة 593