كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 7)

الشَّيْءِ مِنْ ذَلِكَ بِمَعْنَى جُحُودِهِ جَمِيعَهُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِيمَانُ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ إِلَّا بِالْإِيمَانِ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِالْإِيمَانِ بِهِ , وَالْكُفْرُ بِشَيْءٍ مِنْهُ كُفْرٌ بَجَمِيعِهِ , فَلِذَلِكَ قَالَ: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 136] بِعَقِبِ خِطَابِهِ أَهْلَ الْكِتَابِ , وَأَمْرِهِ إِيَّاهُمْ بِالْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَهْدِيدًا مِنْهُ لَهُمْ , وَهُمْ مُقِرُّونَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكُتُبِ وَالرُّسُلِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ سِوَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْفُرْقَانِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 116] فَإِنَّهُ يَعْنِي: فَقَدْ ذَهَبَ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ , وَجَارَ عَنْ مَحَجَّةِ الطَّرِيقِ إِلَى الْمَهَالِكِ ذَهَابًا وَجَوْرًا بَعِيدًا , لِأَنَّ كِفْرَ مَنْ كَفَرَ بِذَلِكَ خُرُوجٌ مِنْهُ عَنْ دِينِ اللَّهِ الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ , وَالْخُرُوجُ عَنْ دِينِ اللَّهِ: الْهَلَاكُ الَّذِي فِيهِ الْبَوَارُ , وَالضَّلَالُ عَنِ الْهُدَى هُوَ الضُّلَالُ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} [النساء: 137] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِمُوسَى {ثُمَّ كَفَرُوا} [النساء: 137] بِهِ {ثُمَّ آمَنُوا} [النساء: 137] : يَعْنِي النَّصَارَى بِعِيسَى {ثُمَّ كَفَرُوا} [النساء: 137] بِهِ {ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} [آل عمران: 90] بِمُحَمَّدٍ {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} [النساء: 137]
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ , قَالَ: ثنا يَزِيدُ , قَالَ: ثنا سَعِيدٌ , عَنْ قَتَادَةَ , قَوْلُهُ: {§إِنَّ -[597]- الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} [النساء: 137] وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى , آمَنَتِ الْيَهُودُ بِالتَّوْرَاةِ , ثُمَّ كَفَرَتْ؛ وَآمَنَتِ النَّصَارَى بِالْإِنْجِيلِ , ثُمَّ كَفَرَتْ؛ وَكُفْرُهُمْ بِهِ: تَرْكُهُمْ إِيَّاهُ , ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا بِالْفُرْقَانِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ اللَّهُ: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} [النساء: 137] يَقُولُ: «لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَاِ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقَ هُدًى , وَقَدْ كَفَرُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

الصفحة 596