كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 7)

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ , قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَوْلُهُ: {§أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ , يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا} [النساء: 140] وَقَوْلُهُ: {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] وَقَوْلُهُ: {أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13] وَنَحْوُ هَذَا مِنَ الْقُرْآنِ , قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَمَاعَةِ , وَنَهَاهُمْ عَنِ الاخْتِلَافِ وَالْفُرْقَةِ , وَأَخْبَرَهُمْ: إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْمِرَاءِ وَالْخُصُومَاتِ فِي دِينِ اللَّهِ " وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ} [النساء: 140] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ أَهُلِ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ فِي الْقِيَامَةِ فِي النَّارِ، فَمُوَفَّقٌ بَيْنَهُمْ فِي عِقَابِهِ فِي جَهَنَّمَ وَأَلِيمٌ عَذَابُهُ، كَمَا اتَّفَقُوا فِي الدُّنْيَا فَاجْتمَعُوا عَلَى عَدَاوَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَوَازَرُوا عَلَى التَّخْذِيلِ عَنْ دِينِ اللَّهِ وَعَنِ الَّذِي ارْتَضَاهُ وَأَمَرَ بِهِ أَهْلَهُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: «وَقَدْ نُزِّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ» فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ الْقُرَّاءَ بِضَمِّ النُّونِ وَتَثْقِيلِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِهَا عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَقَرَأَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ عَلَى مَعْنَى: وَقَدْ نَزَّلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ: «وَقَدْ نَزَلَ عَلَيْكُمْ» بِفَتْحِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الزَّايِ , بِمَعْنَى: وَقَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ. -[605]- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ الثَّلَاثَةِ وَجْهٌ يَبْعُدُ مَعْنَاهُ مِمَّا يَحْتِمُلُهُ الْكَلَامُ , غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ أَخْتَارُ الْقِرَاءَةَ بِهِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: (وَقَدْ نُزِّلَ) بِضَمِّ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ , عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ فِيهِ: التَّقْدِيمُ عَلَى مَا وَصَلْتَ قَبْلُ , عَلَى مَعْنَى {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 139] {وَقَدْ نُزِّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا} [النساء: 140] إِلَى قَوْلِهِ: {حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النساء: 140] {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ} [النساء: 139] فَقَوْلُهُ: {فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 139] يَعْنِي التَّأْخِيرَ , فَلِذَلِكَ كَانَ ضَمُّ النُّونِ مِنْ قَوْلِهِ: {نُزِّلَ} [النساء: 140] أَصَوْبَ عِنْدَنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وكَذَا اخْتَلَفُوا فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ "} [النساء: 136] فَقَرَأَهُ بفَتْحٍ {أَنْزَلَ} [البقرة: 4] أَكْثَرُ الْقُرَّاءَ , بِمَعْنَى: وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ , وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ بِضَمِّهِ فِي الْحَرْفَيْنِ كِلَاهُمَا , بِمَعْنَى: مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وهُمَا مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , غَيْرَ أَنَّ الْفَتْحَ فِي ذَلِكَ أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنَ الضَّمِّ , لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ قَدْ جَرَى قَبْلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: 136]

الصفحة 604