كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 7)

مَدَاخِلَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ , بَلْ وَعَدَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يُحِلَّهُمْ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَحِلَّ الْكَرَامَةِ , وَيُسْكِنَهُمْ مَعَهُمْ مَسَاكِنَهُمْ فِي الْجَنَّةِ , وَوَعَدَهُمْ مِنَ الْجَزَاءِ عَلَى تَوْبَتِهِمُ الْجَزِيلَ مِنَ الْعَطَاءِ , فَقَالَ: {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 146] فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [البقرة: 160] أَيْ رَاجَعُوا الْحَقَّ , وَأَبَوْا إِلَّا الْإِقْرَارَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَتَصْدِيقِ رَسُولِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ , مِنْ نِفَاقِهِمْ , {وَأَصْلَحُوا} [البقرة: 160] يَعْنِي وَأَصْلَحُوا أَعْمَالَهُمْ , فَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ وَأَدَّوْا فَرَائِضَهُ , وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ وَانْزَجَرُوا عَنْ مَعَاصِيهِ {وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ} [النساء: 146] يَقُولُ: " وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ اللَّهِ , وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ , عَلَى أَنَّ الِاعْتِصَامَ: التَّمَسُّكُ وَالتَّعَلُّقُ , فَالِاعْتِصَامُ بِاللَّهِ: التَّمَسُّكُ بِعَهْدِهِ وَمِيثَاقِهِ الَّذِي عَهِدَ فِي كِتَابِهِ إِلَى خَلْقِهِ مِنْ طَاعَتِهِ وَتَرْكِ مَعْصِيَتِهِ {وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ} [النساء: 146] يَقُولُ: " وَأَخْلَصُوا طَاعَتَهُمْ وَأَعْمَالَهُمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا لِلَّهِ , فَأَرَادُوهُ بِهَا , وَلَمْ يَعْمَلُوهَا رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا عَلَى شَكٍّ مِنْهُمْ فِي دِينِهِمْ وَامْتِرَاءً مِنْهُمْ , فِي أَنَّ اللَّهَ مُحْصٍ عَلَيْهِمْ مَا عَمِلُوا , فَيُجَازِي الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ؛ وَلَكِنَّهُمْ عَمِلُوهَا عَلَى يَقِينٍ مِنْهُمْ فِي ثَوَابِ الْمُحْسِنِ عَلَى إِحْسَانِهِ وَجَزَاءِ الْمُسِيءِ عَلَى إِسَاءَتِهِ , أَوْ يَتَفَضَّلُ عَلَيْهِ رَبُّهُ فَيَعْفُو , مُتَقَرِّبِينَ بِهَا إِلَى اللَّهِ مُرِيدِينَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ؛ فَذَلِكَ مَعْنَى إِخْلَاصِهِمْ لِلَّهِ دِينَهُمْ. ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 146] يَقُولُ: " فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ

الصفحة 622